“من عرف نفسه عرف ربه”
كل من أراد معرفة الله فليحرص على معرفة نفسه فقد قالوا :”من عرف ربه عرف نفسه” و لا يعرف أحد نفسه إلا بمجاهدتها و رياضتها و أما من خفت موازينه فأمه هاوية. أعاذنا الله من ذلك. فإن طلب الانسان المعرفة و طلبها بغيرعمل فدعوته مردودة عليه، من لم يحرث لم يجد ما يحصد و طالب المعرفة لا يلتفت إلى حظـوظ الدنيا الفانية. فالحمد لله على نعمة الإيجــاد و نعمة الإمـداد، و هذه النعم أن أوليـت للمـريد فمقتضـى الحق منه الصبـر و الـرضى و التسليم، و مقتضى الحق منه ذكر الله دائما، و المطلوب منه أن يذكره بالإخلاص لا من أجل حظ من الحظوظ، فقد قال رسول الله صلى الله عليه الصلاة و السلام:” ازهد فيما في يد الناس يحبك الناس، و ازهد في الدنيا يحبك الله” من زهد في هذين فالثمرة أقرب من غير بين، لذلك فإن الصبر مطلوب على كل حال في الجمال و الجلال لأن الحق متجلي بينهما، و الله يحب الصابرين، فالمـرء لا يركـــن إلى نفسه و لا إلى ما تهواه، و قد قال ابن البنا رضي الله عنه في مبحثه:” و من يبح للنفس ما تهواه، فإنما معبوده ما سواه” فعلى المريد أن يكون فطنا متيقظا لما ينفحه به ربه من نفحات، فتعرضوا لنفحات الله قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:” إن في أيــــام دهركم نفحات فتعــــرضوا لنفحــــات الله” و النفحات تأتي على حسب السوابق فربما تحف من الجلال أكثر من تحف الجمال، فالجمال مفرح للنفس و كل ما تحب النفس فهو على صاحبها، و الجلال مؤدب لها إن رضي به صاحبه كان و لا شك عارف بربه لا يفوته خير الدنيا و لا خير الآخرة، قال سبحانه و تعالى:” وما فعل ربكم قالوا خيرا” و إياكم أن تجهلوه في أمر من الأمور فهو متجلي في كل الأمور من الجلال و الجمـــــــال و القول و الفعل، و قال شيخ شيوخنا سيدي مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه في بعض رسائله في وقت الجلال: الثبات الثبات و الصبر على البلية و ما وقع لنا إلا لما وقع لمن قبلنا من الأنبياء و الأولياء فأبشروا إخواني بالخير و المزية الذي استخبركم في إيمانكم كما يستخبر أشياخكم و أشياخ أشياخكم قال تعالى:”ألم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون”
و الحاصل في طريقتتنا هذه اجتناب الكلام الذي لا يعني المريد في دينه و اشتغاله بذكر ربه يكون من أخيار القوم، و أنه من أراد أن يكون قويا على الدوام و من أراد أن يكون عالما على الدوام أن يتبع السلف الصالح على الدوام، و من أراد أن يكون عزيزا على الدوام أن يكون ذليلا، و من أراد أن يكون عالما على الدوام أن يكون جاهلا على الدوام، و لا يرفع نفسه على أحد سواء كان من المسلمين أو من النصارى أو من أهل الذمة، فكم من واحد مقته الله من تكبر نفسه على عباد ربه ، فإن المخلوقات جواهر، وكل جوهر تجلى فيه مولاه بما ظهر فيه، و عاش من عرف قدره و جلس دونه، و لا خاب عبد سلك ما سبق ذكره، و إن فعل المريد شيئا من العبادات أو ما شابه ذلك فعمله لمولاه مخلصا و لا يطلب الجزاء عليه لأن ذلك ليس منه و إنما من مولاه :” إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي”
ذو العلم بعلمه يزيد تحيرا و ذو الجهالة في جهله ينعم، العلم الذي يظهر من الظاهر، لايؤثر في الباطن، و ما يظهر من الباطن، يؤثر في الظاهر، و تسجد له جميع العوالم، يعني العلــــــــــــوية و السفلية،لقد بلغنا الله بنيتنا و محبة فينا إلى ما كنا قاصدين إليه، و عازمين عليه فإن القصد يبلغ المامول من الطلب و كنت ذقنت من أيام صغري قبل بلوغي بأعوام كثيرة، ثم بعد ذلك حصل اتساع و تنقلت عما كنا فيه من قلة أمر المعرفة، و كان الوقت بعيدا، و لم تــزل همتي طالبة لذلك، و عزمي عليه، و سخر الله لي ذلك حتى قرأت القرآن العظيم، و جديت في الطلب حتى أراد الله بي خيرا، أدركني الله برضاه و ألهمني لزيارة من يرشدني و كانت المزية له أنه يسهرعلى تهذيب نفسي و إحياء قلبي جزاه الله عنا و عن المسلمين خيرا فهو بحر العرفان و قدوة السالكين و مكمل الواصلين سيدي و اثمد بصيرتي و نور قلبي و صفاء سريرتي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مع من تكون بحاله تكون”. و قال من جالس العطار فاح بطيبه، و من جالس الحداد نال السواد و أريحوا أنفسكم من التدبير و الاختيار، فإنهما يكدران عيش الانسان و لايقول الفقير الصديق كيف ذلك؟ فيترك التدبير بيد المدبر و يقول : الله ، الله دائما مدة عمره فقد قال بعضهم: كل ما يشتاقه المشتاق فهو في ذات الخلق، فإن أردت الكرائم فكن عبدهم و الزم لنفسك الله. الله ، الله دائما ليلا و نهارا حتى تكون نفسك طالعة به هابطة به، و يمتزج بلحمك و دمك و عروقــــــك و عظمك و ظفرك فإن سره يظهر عليك فقد قال شيخ شيوخنا مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه:” من كان فانيا في الإسم الأعظم تكون له الكرامة عند التمني ، و من كان فانيا في الذات تكون له قبل التمني، و لا يبعد ذلك على الذاكر، فمن كان فانيا فيه كما قلنا بجميع خصائصه على لسانه.
و تظهرعلينا كرائم كثيرة من هذا و أكثر،و من أهم الكرائم الاستقامة و الرجــــوع للعبوديـــــــة لله و التذلل له و الخضوع له عند كل شيء، و يقول الله الله، إى أن يموت فهذه علامة السعــــادة و هي علامة الخير الكبير و علامة الفلاح و لا شيء أكبر من ذكرهو قهر النفس فيما يرضيه.
نفعني الله و إياكم بالقرآن الكريم و أنار الله قلوبنا و قلوبكم بأنواره و ملأها بأسراره آمين، و نسألكم الدعاء جزاكم الله خيرا.
بقلم الفقير أحمد الهبري