بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي المحقق سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة : 12 رجب 1436هـ الموافق ل 1 ماي 2015م
حضــــــرة الخــــلـــــود
مقام الـــــولاية : النفــس الجامـــعة الكلـــية
المجلس السابــع
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعاً، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على أولئك، نفر من الملائكة، جلوس، فاستمع ما يحيونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة على صورة آدم، فلم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ) أخرجه البخارى…فالذين يدخلون الجنة جنة المعارف أو جنة الزخارف يكونون على صورة آدم عليه السلام فإذا كنت صاحب حقائق وتفهم المعاني فاجعل الحديث في حكم النصفين بكنه لام القبض التي نحن بصدد الدخول عليها بحكم القراءة اللامية في ذاتها بحيث تُقسم قسمين : قسم لا حظ لك فيه إذ هو ربوبية خالصة و قسم لك فيه حظ إذ هو عبودية خالصة
و إن شئت الفوز بالجنان فينبغي أن تعود إلى صورتك الأصلية أما إن حُجبت بصورتك العدمية وبقيت معها كان جزاؤك جهنم البعد والحرمان…ولما كان ما عند الله لا يُنال إلا بالله زيدت ورحمة الله من الملائكة في التحية حتى تعلم أن الرحمة هي التي توصلك إلى معرفتك الحقيقية حتى تصبح على الصورة الآدمية ولقد روى مسلم عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَال، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم : ( إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجهَ فَإن اللَّه خلق آدم على صورته ) وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تقبحوا الوجوه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن ) وروى ابن أبي عاصم عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قاتل أحدكم فليجتب الوجه فإن الله تعالى خلق آدم على صورة وجهه )وقال الشيخ الألباني : إسناده صحيح…فمعنى صورته هي المنطبق عليها الاسم الجامع ” الله ” و حتى تعلم أن هذه الخصوصية في الخِلقة على كنه الصورة لا تنحصر في آدم عليه السلام كون الحديث جاء للنهي عن عدم ضرب الوجه أو تقبيحه حتى تعلم أن انتقال الصورة لازال قائما في ذريته بعده .
وهذه الصورة الإلهية هي التي خلق الله الإنسان الكامل عليها فهي حضرة جامعة لكل الحضرات الأسمائية المتفرقة في جميع العالم…وهذه الجمعية الشاملة هي المعبر عنها بالخلافة التي اختصت بعلم الأسماء الحسنى قال تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها ) البقرة الآية 31…فبالخلافة امتاز آدم على الملائكة حتى سجدت له فكان سجودهم لمركزيته وكان لهم قِبلة قبل ظهور مكة والبيت المعمور لكون الحق تعالى خلقه على صورته و صورته هي عين فطرته و فطرته هي عين حقائق معاني ذاته…لذلك إذا فمهنا معنى أننا خُلقنا على فطرة الإسلام سنفهم معنى السلام عليك فتنكشف لنا عندئذ رحمة الله تعالى التي هي حضرات تلك الذات…فيكون الحكم لهذه الجمعية المعبر عنها بمرتبة الألوهية التي لها سائر الأسماء الحسنى لذا أُمرنا بتوحيد تلك المرتبة حتى يتبين لنا الأمر من أنفسنا
فمن أراد الكشف عن طلسم نفسه كما نبهنا الحق تعالى عن ذلك حيث قال : ( وفي أنفسكم أفلا تبصرون ) الذاريات الآية 21..وتحقيقه كما شرحناه بانعكاس النور على عوالمك و الحق أقول : من عشق معرفة باب الاسم عليه أن يبحث على من كانت صورته طبقا لصورة آدم عليه السلام…فان وجدته سيعرفك بمن أنت ؟ فلا تفهم النفس إلا بسر الله تعالى كما قال سبحانه وتعالى : ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) النساء الآية 1…فهذا العبد السيد هو النفس الواحدة بحكم الجمعية التي انبثقت منها النفوس الكثيرة بعد أن أظهر منها زوجها التي هي عينه لأنها منه خرجت فلا غيرية فحواء النفس هي مرتبة من مراتب آدم الروح والغاية من ذلك حصول الكثرة من تلك النفس رغم أنها واحدة فإذا تلاشيت وأعدت الفرع إلى الأصل رأيتها عندئذ…فإذا رأيتها عليك ان تجعل وقايتك برؤية تلك النفس الواحدة…حصن نفسك بنظرة جمعية أولى…فلا تغفل عنها وإلا تخبطك ابليس…فإذا اتقيت بها أخرجتك من الظلمة إلى مشاهدة أنوار الربوبية…والفرق بين التقوى الأولى والثانية في الآية الكريمة هو ان الأولى تنزل في مرحلة عبودية والثانية عودة من الظلمة إلى أنوار الربوبية في تحقيق الجمع حتى يتعلم العبد دوام المراقبة مع كمال المشاهدة أو يتعلم الفناء والبقاء حتى تكون في صلاتك وصلتك مرتاحا على نعت أرحنا بها يا بلال…والراحة لا تلج بيت القلب حتى ينشرح الصدر بالأنوار عندئذ يجد العبد حلاوة العبادة وراحة السيادة أما إذا كان يجد ثقلها فليعلم أنه في بعد فهل أنت على صورة آدم أم على صورة الذي يسري في دم آدم ؟
يقول تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ( 18 ) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ( 19 ) ) سورة الحشر… والمعنى الذي يعطيه لسان الشهود أن { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } ، بأن تشهدوا معه سواه وذلك بأن تجعلوا وقايتكم إلى تلك النفس الكلية التي من شهدها شهد موجدها { ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ } من المعرفة، فإنّ الشهود يوم القيامة على قدر المعرفة هنا، لان الدنيا مقابلة للأخرة وهناك أحاديث كثيرة تبين ذلك حتى في حالة دخول بعض أهل الجنة إلى الجنة ،فمن جهله في الدنيا لن يرتفع جهله بموته ، نعم ينكشف له عن عالم الأخرة ومقامه ، لكنه لا يعرف ربه ان لم يصحب معرفته معه في الدنيا ،” واتقوا الله ” فلا تؤثروا عليه سواه ، فكل ما سواه وهم وخيال ، { ولا تكونوا كالذين نسوا الله } أي: نسوا ذكره والتوجه إليه والتعرض لأنواره ، ” فأنساهم أنفسهم ” أي: غيّبهم عن إصلاحها وعلاجها، حتى ماتت في أودية الخواطر والشكوك، فحرموا معرفتها ، ” أولئك هم الفاسقون ” الخارجون عن الحضرة المقدسة. ” لا يستوي أصحاب النار ” أي: نار القطيعة والحجاب ” وأصحاب الجنة ” أي: جنة المعرفة والوصال ” أصحاب الجنة هم الفائزون ” بمحبوبهم، الناجون من كل حجاب
فتوجه إلى نفسك بإصلاحها مادام الوقت أمامك لعلك تغترف غرفة من نور المصطفى صلى الله عليه وسلم أو يُخشى عليك ان تطرد من الحضرة الأقدسية…فالمريد الذي هو الذي يعيش للمستقبل اما الغبي فهو مع ماضيه فإذا كنت تريد ان تكون من الأذكياء فاسأل نفسك ماذا أعددت من العدة ؟ هل تذكرت القدم ؟ فان نسيته فكأنك انكرته لأنك اطمأننت إلى وهمك والاطمئنان لا يكون في الحقيقة إلا بالرجوع إلى الله تعالى…فكر مليا هل انت من اهل الماضي الفاني ؟ ام من الذين ينظرون إلى الأمام حيث القرب ؟ من الذين جعلوا ماضيهم مطية لهم نحو الإطلاق…لا تقف مع الأغيار والباب مفتوح لك مع الأنوار…وتذكر أن المنافق و المؤمن كلهم يرون الكون لكن المؤمن يرى ما وراء الكون الكل يرى المباني والمؤمن وحده يرى المباني وما خلفها من المعاني…يرى الأستار وما وراءها من الأنوار…فابحث عن صورتك الآدمية حتى تعرف الله تعالى حق المعرفة