بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة: 29 جمادى الأولى 1436هـ الموافق ل 20 مارس 2015م
مجلـــــــى الخلــــــود
مقام الولاية: كنز المعرفة
المجلس الأول
اعلم أن حضرة الولاية في الألف المقدر لها البرزخية وأمرها متسع لا قدرة لنا لحصرها في الكلام فكل واحد من أهل الله تعالى تكلم فيها بلون ولم يختلفوا في أصلها إنما اختلفوا في جزئياتها حسب اختلاف أوانيهم…وسبب الشروع في الكشف عن بعض حقائق هذه الحضرة هو سؤال سُئلته من طرف أحد الفقراء الجزائريين حول الأثر المشهور: (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني) وكنت قد افتتحت الكلام عنها في مجلس الأربعاء لكونه اليوم الذي خلق الله تعالى فيه النور
فنقول بفضل الله: روى الإمام البخاري رحمه الله تعالى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه
وفي رواية عند الطبري وابن أبي الدنيا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من آذى لي وليا ، فقد استحل محاربتي ، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء فرائضي ، وإن عبدي ليتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ، كنت عينه التي يبصر بها ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وفؤاده الذي يعقل به ، ولسانه الذي يتكلم به ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن موته ، وذلك أنه يكره الموت وأنا أكره مساءته )…فهذا الحديث كاف في التعريف بمقام الولاية ولقد جاءت بدايته جزرية جلالية ووسطه طريقة سلوكية ونهايته محبة جمالية، والمراد بالولي كما ذكر ابن حجر رحمه الله تعالى هو العالم بالله المواظب على طاعته و المخلص في عبادته وهو تعريف شمل العلم والعمل والإخلاص حتى يكون العبد بالله لا بسواه…فصار بذلك الولي له وصل بينه وبين الله تعالى وهو وصل دائم لا انقطاع فيه
واسم الولي يطلق على العبد و يطلق على الرب لأنه صاحب الأمانة الإلهية وعينها اندرجت ظلاله في النور قال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور) البقرة الآية 257…فالولي في حكم الألف المقدر هو كنز اندرج ظل حسه في نور قدسه فأصبح مذهولا لا يتكلم كمن هو طافح في السكر تعجز عبارته عن وصف حاله فكذلك الولي المحب المجذوب…غير أن سكر السكران عرضي زائل أما سكر الولي إذا حصل له يدوم ويزيد ولا يزول فيكون الولي قبل انشقاق سماء عقله ناظرا إلى قبضة نورانية فعندما ينظر يصف ما يشاهده أما إذا غاص فلا يستطيع أن يتكلم ويصف ما بداخله وذلك كالفرق بين من دخل البحر وبين من وقف على شاطئه
إذا فمقام الولي مقام نظر ورؤية لذلك فهو في حكم الألف المقدر يختلف تعريفه وتختلف نظرتنا إليه فليس هو الذي رأى نور الحق وسرى فيه ولكنه الذي فقد بشريته واشتغل بربه عما سواه لأن الألف واحد فلا يدخل إليه إلا نفحة روحية طاهرة تسري فيبقى مع الله ولله وبالله ففي أولية غوصه يفقد كيانه فلا يستطيع أن يصف أو يتكلم فعليك أن تفهم هذا حتى تتمكن من الدخول على اللام المنشق
واعلم أن هناك من نظر إلى النور فوصفه بأوصاف عديدة ( قبضة ، لمحة ، نجم ، كوكب…الخ ) و أسماء لا تحصى فهذه هي الشعب الإيمانية في حكم نظرة الولي في قربه من ربه عز وجل…اختلفت أوصاف النظرة من النفوس لاختلاف تلوناتها فصارت المحبة ذوقا لا يعبر عنها كلام لأنها نار تأكل المحب حتى تفنيه في المحبوب تظهر في القلب بالشهود وفي العين بالدموع وفي الجوارح بالإتباع…قال تعالى : ( إذا السماء انشقت ) الانشقاق الآية 1 وروى البخاري في الصحيح عن أبي رافع قال صليت مع أبي هريرة رضي الله عنه العتمة فقرأ : ( إذا السماء انشقت ” فسجد فقلت له قال سجدت خلف أبي القاسم صلى الله عليه وسلم فلا أزال أسجد بها حتى ألقاه …وبلسان الإشارة انشق عقل عاجز عن الإدراك عندما ألقت أرض السالك ما في باطنها وتخلت عن لسان فان حتى يبقى سر الله لا يدرك كنزا مخفيا
واعلم أننا إذا قمنا بحساب كلمة كنز الواردة في الأثر المذكور أعلاه بحساب الجمل بحيث ( ك = 20 و ن = 50 و ز = 7 ) فيكون المجموع هو 77 أي نفس عدد الولي ( ا = 1 ، ل = 30 ، و= 6 ، ل = 30 ، ي = 10 المجموع 77 ) فصار الولي كنز مخفي وهذا العدد يشير إلى شعب الإيمان كذلك فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ( الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان ) رواه مسلم…وبضع بمعنى مقدار من العدد يتراوح ما بين ثلاثة إلى تسعة…ولما كانت الولاية ترقي في معرفة الله على نعت الكشف عن مراتب الاسم المفرد ناسب ذلك أن يكون عدد الاسم الجامع هو 66 فإذا أضفنا القراءات العشر لنقطة الكنزية كان المجموع(76)حتى نبقى في محور الشعب الإيمانية…وبالتالي فالولي هو الذي قرأ الاسم بعشر مراتب ولما كان عدد الولي بحساب الجمل هو نفسه عدد كلمة كنز فإن ذلك يعني أنه كنز (77) جمع فيه الكون كله 7 سموات و 7 أرضين فهو عزيز ذليل لذلك كلما ستر الولي كرامته كلما زادت محبته و ارتفاعه وقربه من ربه تعالى
والأثر المروي أعلاه جمع أسرارا ربانية رقيقة و معارف قدسية لطيفة ولقد اشتهر على ألسنة الصوفية ومعناه صحيح لا مرية فيه و إن لم تثبت روايته…وكلمة ( كنت ) الواردة في الأثر هي فعل وجودي لا تعبر عن الزمان فالله سبحانه وتعالى هو الدهر منزه عن الزمان والمكان…وكلمة ( كنزا ) الكاف فيها بمعنى كاف الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه وعددها 20 وهي مجموع الصفات العشرين حيث تهدها بقلب صافي و الكاف ايضا بمعنى الكتم فحتى من لهم علم في كشفية الكنز الباطني الذي يؤذن بالعجز التام تجد علمهم ذاك لا تحيط به العبارة و لا تفي به إشارة فيبقى كتما…والنون هو نون النية التي لابد من تجريدها و تخليصها من أجل إرادة وجه الله تعالى فقط دون غير فعليها يقوم السلوك…و الزاي بمعنى
زكاة وهي تزكية النفس حتى تتصفى وتترقى إلى العليين و تصبح آنذاك بين يدي ربها راضية مرضية…فيصير العبد آنذاك له نصيب من تجلي اسم الولي جل جلاله عليه فالحق سبحانه وتعالى يقول : ( الله ولي الذين آمنوا…) ف( الله ولي ) فعندما يتحقق العبد بشعب الإيمان 77 يترقى لمقام الإحسان فيدرك عندئذ كنزية معرفة الله تعالى وهي الولاية
أما قوله (فبي عرفوني) بمعنى بمحبة الحق عرف الخلق ربهم لأن المحبة سبقت المعرفة وهي معرفة النفوس السبع ولكل نفس سماؤها وسماؤها كنوزها التي فيها والتي تخرج وتظهر بعد الانشقاق…فإذ انشقت سماء قلبك فكانت وردة كالدهان فحرام عليك ان تلتفت للغير…وإذا تجلى لك نوره فاخرج كل الأغيار حتى ينفتح سمع سرك فتحدث بأخبار القرب من الله تعالى
اللهم ارزقنا حبك وحب من أحبك
زادكم الله نورا