بسم الله الرحمن الرحيم
الحضرة الهارونية حضرة الرحموت ومساس الألف
إتماما لدروس الحضرات النبوية التي يقوم بها الشيخ المربي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه كل أسبوع…حيث قام في مجلس الجمعة 11 جمادى الثانية 1435هـ بمتابعة الحديث عن الحضرة الهارونية…التي هي في الطريقة الكركرية حضرة الدخول على الألف الفرداني أو بالقراءة الهائية بصفة السرين الفصل والوصل…الجمال والجلال
وسنضع بإذن الله تعالى بوارق من الدرس الخامس في هذه الحضرة…أما حقائقها فهي تنزلات رحموتية في قلوب الصادقين لا تنال إلا بالذوق…وغايتنا من ذكرالبوارق التشمير لما وراءها من الحقائق
البارقة الأولى
اعلموا انه ما عبد شيئ من الأشياء من حجر أو شجر إلا بالتعظيم فأجعلوا تعظيمكم لله وفيه…فقوم موسى ما عبدوا العجل إلا بما نشأ في قلوبهم من التعظيم له…لأن قلوبهم تبعت الذهب الذي تكون به العجل ــ كما مر معنا سابقا ــ …بسبب سلطان الهوى السارية أحكامه في كل الموجودات فما توجه عابد نحو معبوده بحق أو بباطل إلا بقهريته وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : { تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد الخميصة تعس عبد الخميلة
فعابد العجل أو أي مظهر أخر إنما عبده بالهوى فأعظم عبادة هي عبادة الهوى…وحقيقة الهوى كل ما تعشقه النفس فهو أمر باطني خفي لكن صورته في الظاهر هي العبادة…لذلك ورد عن أبو أمامة قوله : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: { ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى} وقال تعالى : { أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم } الجاثية 23…فالإنقياد للهوى دون إتباع العلم مبعد عن الحق لأنه إنحراف عن طريق المرسلين…أما من كان هواه موافقا لهم فهو كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا وافق الحق الهوى فذلك الشهد بالزبد…وفي الحديث عن عبدالله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه
وسلم { لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به}…فإجعل الله هواك حتى يتولاك…وتتلاشى صور الوهم من عيناك…فعندما سيخاطبك الملكان في القبر من ربك ؟ سينطق لسانك بما كنت تهواه في دنياك
وإذا رأيت إنسانا غير مستقيم مع الله فاعلم أن في قلبه آلهة…فلا تجعل في قلبك سواه وكن أبدا متبعا لشريعة مصطفاه صلى الله عليه وسلم…والعابدون صنفان
صنف عَبد الله من أجل الجنة وخوفا من النار…فلولم تكن هناك لا جنة ولا نار ما عُبد القهار…فهم يطلبون الحظوظ التي منشؤها الهوى…غير أنه هوى محمود سمحت به الشرائع
صنف عَبد الله من أجل الله تعالى من غير تشوق إلى جنة ولا فرار من نار…لبوا نداء ( ففروا إلى الله ) الذاريات 50 فهؤلاء خواص الصدقين…جعلوا حظوظهم في النظر إلى محبوبهم والتقرب منه ، والتلذذ بمناجاته ومعرفته
البارقة الثانية
حدد حقيقتك بمن تصاحب فالصاحب إما أن يكون من الذين إذا رأيتهم ذكرت الله وإما أن يكون من الذين إذا رؤوا ذكرت الشطان..فإختر من تصاحب
فبنو إسرائيل الذين عبدوا العجل إنما حصلت لهم تلك الفتنة بسبب صحبتهم للسامري الذي هو مظهر الضلالة…فلو كانت صحبتهم لسيدنا موسى عليه السلام صحبة صادقة ظاهرا وباطنا لكانوا مهتدين لانه عليه السلام مظهر الهداية…وكذلك كل من صحب وارثا محمديا دون الصدق معه في الصحبة ظاهرا أو باطنا إلا هلك….إذ لا ينفع المريد إلا الجمع بينهما
البارقة الثالثة
إن سر توجه قوم سيدنا موسى عليه السلام إلى عبادة العجل من دون الله تعالى خاصة أو توجه بعض الناس إلى عبادة بعض المظاهرعامة فهو لسريان حكم القيومية فيها فالممكنات تتردد بين أمرين : إيجاد وإمداد…فلولا إيجاده ما ظهرت ولولا إمداده ما ثبتت..فافهم
وهي بحكم الحقيقة فناء بنص قوله تعالى : { كل شيء هالك إلا وجهه} القصص 88…لذلك كان توجههم إليها بالعبادة من دون الله تعالى إتباعا للهوى المذموم…لأن العبادة لا تكون إلا لله وحده لا شريك له قال سبحانه : { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا } لأن العبادة غاية التعظيم فلا تحق الا لمن له غاية العظمة ونهاية الانعام
البارقة الرابعة
لا تتوهم أيها المريد أن للأسم مرتبة واحدة إذ لأنتهى سير العباد كلما كاشفهم الحق بتلك المرتبة…ولكن السير بدأ بلا نهاية….بدؤه الفناء في هاء الهوية ثم الترقي فيما شاء الله من مراتب الإسم…وهذا إشارة في قوله تعالى : ( رفيع الدرجات ذو العرش ) فلم يقل درجة ولكن درجات بكنه الكثرة الأسمائية في العين الواحدة
وإحذر أن تنسى في عين الجمع المراتب الاخرى فتضيع حقوقها فإن كل مرتبة تطلب حقها منك…فأسلك بينهم بشريعة المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى لا تطالب يوم القيامة برد الحقوق
البارقة الخامسة
كل مريد إذا مال إلى ما سوى الله كانت عينه القلبية مطموسة فالذين عبدوا العجل كانوا من قبل متبعين لموسى عليه السلام لكن عندما دخل في قلوبهم الغير طمست بصيرتهم…هكذا عين القلب إذا طمست تظهر أثارها على المريد فتجده لا يحترم مجالس الذكر ولا يعظم الإسم الذي دخل به إلى الخلوة…فتنبهوا
إذا كنتم لا تعظمون إسم الله فأي معرفة تدعون وأي أسرار…الشيخ أمدكم بالنور والمعرفة ولم يطلب منكم عليها مالا ولا دنيا إنما جعلت ثمن المعرفة الأدب…ثمن ما ترى بقلبك الأخلاق …إن تحسنت أخلاقك وطابت صفاتك بقيت لك المعرفة وزدناك وإن إعتقدت انك شيئ يذكر…نزعتها منك
فالشيخ كما يعطي يمنع…وكما يغرس ينزع…لقد كان مولاي العربي الدرقاوي رضي الله عنه يغضب على من يمد رجله في المجلس…فكيف بأحدكم يتكلم أثناء الذكر…فأستحيوا من الله فإن المريد قد يكون قاطع طريق من حيث لا يشعر…العامة لا تنظر إليكم كم عندكم من الأسرار؟ وكم تحملون في قلوبكم من الأنوار؟…فهي لا تعرف ذلك ولا تدري معناه…لكنهم ينظرون إلى تصرفاتكم وأخلاقكم
فالتبليغ لا ينحصر في القول فقط إنما هو أقسام : هناك من يدعوا بلسانه وهناك من يدعوا بحاله وهناك يدعوا ببيانه فمن أي الأصناف انت…إن لم تجد نفسك في هذه الاصناف فاخشى على نفسك أن تكون ممن يصد عن الله بلسانه او بأفعاله
لقد علمتكم تغميض العينين أثناء الذكر حتى لا تشغلكم الموجودات عن المقصود وتنتقلون بسرعة من الحس إلى المعنى..فلا تفتحوا أعينكم أثناء الذكر…حتى تصلوا لمرحلة تمتزج فيها عين القلب بعين الرأس فيستوي عندكم فتح العين وإغماضها