بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي المحقق سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة : 8 ذو الحجة 1435 هـ الموافق ل 3 أكتوبر 2014م
الحضرة الموسوية : علم الألف ج4
اعلم وفقك الحق في كل أمورك أن مقام الخلافة الأسمائية أو الخلافة الآدمية هي أشرف ما وهبه الحق لخواص أفراد بني آدم ، ولقد كان الأنبياء على نبينا وعليهم السلام يسألون الحق أن تكون لهم خلافة ظاهرة كما هي ثابتة لهم في الباطن بحكم ولايتهم عليهم السلام، وذلك لعلمهم أن مرتبة الرسالة و النبوة قد تكون معها خلافة ظاهرة وتحكم فيها وقد لا تكون…ولقد حكى الحق تعالى في كتابه الكريم على لسان سيدنا موسى عليه السلام وهو يشير إلى ما أنعم الله به عليه فيقول : ( فوهب لي ربي حكما وجعلني من المرسلين )الشعراء الاية 21.
فقوله: (فوهب لي ربى حكما) إشارة إلى الخلافة (وجعلني من المرسلين) فذكر لرسالته عليه السلام فالخليفة عن الله تعالى صاحب السيف والعزل والولاية و الحكم في الظاهر والباطن في المراتب الدينية أما
الرسول فليس كذلك إذ ليس كل رسول خليفة، إنما عليه البلاغ لما أرسل به قال تعالى : ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ) الأحزاب الاية 39 أما إن حمل السيف فهو رسول خليفة ولقد طلبها أي الخلافة سيدنا إبراهيم عليه السلام قبله فقال تعالى على لسانه: ( رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين) الشعراء 83
وفي مقام الولاية هناك من كان مستخلفا في الأرض، وهناك من كانت له الخلافة الباطنة فقط…والناس عندما تسمع الرسول أو النبي عليهم الصلاة والسلام تعطي لهم جميع المقامات و المراتب، في حين أن الذي جمع كل شئ وهو العين الجامعة الذي أوتي جوامع الكلم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
أما سؤال فرعون سيدنا موسى عليه السلام عن رب العالمين فلم يكن عن جهل منه لمرتبة الربوبية و أما إدعاؤه للألوهية فهو كان يعلم في باطنه أنه ليس إله ولا رسول، ولا أدل على ذلك مما حدث له عندما جاؤه قومه يشكون جفاف النيل و يطلبون منه أن يجريه لهم…فواعدهم في صبيحة اليوم التالي أنه سيخرج ليعاين النيل ويعمل على إعادة جريانه…وفي الليل قض مضجعه هذا الأمر حتى صار يتقلب في فراشه لا يدري ماذا يفعل وكيف هي الحيلة ، فلقد تورط بشيء أكبر منه وما كان يظن أن هناك شيء لا يستطيع عليه . ولما طلع الصباح احتشد الناس ليروا كيف سيعيد الفرعون لهم جريان النيل العظيم . ومضت ساعات وهم ينتظرون وما لبث أن خرج عليهم الفرعون في كامل زينته، وجميع مرافقيه، من خدم وحشم وحملة العرش وأطباء وشعراء وحكماء ومنجمين ومعبري أحلام وغيرهم، ولما وصلوا الى حوض النيل وقف يتأمل ثم لمح مكان فيه القصب عالي فأمر حملة العرش بالتوجه إلى هناك وهناك نزل عن عرشه وأمر الحاشية والحرس أن يبقوا في مكانهم ولا يدخل منهم أو من الناس في القصب معه أحد
ودخل وحيداً ولما تأكد أنه لوحده نزع ملابسه العلوية ونزع زينته وجواهره كلها وخلع نعليه وخطى نحو النيل حتى غاصت قدماه في الوحل . وسجد على الطين
وقال مخاطباً االله تعالى : اللهم إنك تعلم أني أعلم أنه لا إله إلا أنت فأجر لنا النيل
فاستجاب الله دعاؤه و أجرى لهم النيل ولا عجب في ذلك فحتى إبليس دعى الله تعالى فاستجاب له قال تعالى : (قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ) الحجر الآية 36- 38…فسؤال فرعون لسيدنا موسى عليه السلام كان يريد منه إختبار موسى عليه السلام و فرعون كان أعرف الخلق بموسى عليه السلام، فدائما عندما تذكر قصة فرعون وسيدنا موسى عليه السلام يتبادر إلى أذهاننا أنهم أعداء لأننا فقط نتذكر الفترة التي أرسل فيها موسى الى قومه و ننسى أن فرعون هو الذي ربى موسى عليه السلام في قصره، فهو يعرفه جيدا فاختبره فرعون بسؤاله ليعلم هل سيدنا موسى عليه السلام يعرف الله تعالى أم هو إدعاء لكونه كان يعلم أن مكانة الرسل في العلم بالله كبيرة وكذا كان يريد بسؤاله إختبار الحاضرين في إيمانهم
وما رب العالمين يقول فرعون فهو سؤال إعجازي في حق إظهار ذاتية الحق عز وجل التي يعجز عن إدراك كنهها العقل البشري المخلوق…فما أجابه سيدنا موسى عليه السلام على سؤاله ولم يقل له كيف يمكنني أن أجيبك عن من ليس كمثله شيء…ثم إن فرعون كان يعلم أن سؤاله لا جواب له وكان يعرف أن سيدنا موسى عليه السلام لن يجيبها إلا بصفات الله تعالى قال تعالى في سورة الشعراء الاية 23 و 24 : (قالَ فِرْعَوْنُ وَما رَبُّ الْعالَمِينَ (23) قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ) فما أجابه إلا بالربوبية المضافة إلى العالمين وبث بين طيات جوابه إشارة بديعة إلى سر الذات لو تأمله فرعون ومن معه لأدرك الجواب
فالعبد يصل بعد التفكر في خلق السموات والأرض إلى ما خلقت هذا باطلا سبحانك…يصل إلى معرفة الربوبية يسيح في العدم من العلو ( السموات ) ومن السفل ( الأرض ) ليصل إلى الإيقان ( إن كنتم موقنين) يتجول ببصيرته بنور الحق فيما له بداية ونهاية ليتذوق تنزيه من لا بداية له ولا نهاية له…فإذا كان العد في الرياضيات لا يقيد فكيف بمن أوجد العد
فكلما طلب الإنسان شيء إلا وهو موجود وله جواب فكلما وصل العقل إلى شيء فهو موجود و الجواب يكون لمن رزقهم الله تعالى علما وفطانة…فالله تعالى لا نستطيع أن نعطي له جنس أو جسم لأنه منزه عن الجسمية والجنسية ولهذا ورد النهي النبوي صلى الله عليه وسلم عن التفكر في ذات الله تعالى، وأمر بالتفكر في آياته، كما في معجم الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تفكروا في آلاء الله ولا تتفكروا في الله
وفي رواية : (تفكروا في خلق الله ولا تفكروا في الله فتهلكوا ) فتهلكوا لأن الذات تعطي الطمس و السحق والمحق و الحيرة و الفناء التام أما التفكر في الخلق فهو التفكر في الصفات في سر القيومية بعد التحقق من شهود عدميتك…لذلك أمرنا الحق في كتابه العزيز إلى طريقين من أجل الظفر بسر الجمع وشهود الحقية بعد ذوق فناء الخلقية فقال تعالى:(سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}فصلت ـ 53
فالطريق الأسهل البحث في النفس لأنه يعطي معرفة أقوى وأتم للحق ففي النفس يتحقق للعارف ما ورد في الأثر : ( ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن ) فهي معرفة إذا مبنية على شهود مراتب الإسم المفرد ( الله ) و فك طلاسمه وحقائقه
أما الطريق الثاني فهو البحث في الآفاق للحصول على معرفة الحق وهي طريق متشعبة و غاية ما تصل منها إلى معرفة معاني وحقائق إسم الإسم ( الرحمن ) قال تعالى : ﴿ الرحمن على العرش استوى﴾ سورة طه5
وكلى الطريقين يحتاج إلى شيخ مربي بصير عارف بالمقامات والمراتب لأنه طريق ذوقي لا مدخل للعقل فيه…أما الإعتماد على العقل فقط فلا تصل به إلى غاية هذا إن بقيت في ساحل السلامة…لأن أغلب ما يدخل إلى قلوب العباد من التجسيم سببه الإشتراك اللفظي الوارد في كتابه العزيز الذي يكون بين الوجوب و الإمكان…فتراه يجسد ويجسم كلما سمع مثلا : يأتي ربنا يوم القيامة…الخ
فمراتب الفهم لدى الإنسان تختلف لذلك تجد هناك من يؤمن بالسموات السبع وهناك من لا يؤمن إلا بما يرى ويشاهد ففي حديث يتنزل ربنا إلى السماء الدنيا إشارة إلى الربوبية في علوها وفي المقابل فتح باب التلقي للذي يعجز عن إستعاب وجود السموات السبع…وفي السير كلما بزغ هذا النجم في قلبك فاعلم أنك من أهل الثلث الأخير من الليل فأنت كلك ليل فإذا هوى نجم المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى قلبك فذلك ثلث الليل التي يتنزل فيه الحق يتنزل بحكم الود في طبقة القلب الأولى فاعلم أنك قريب من شمس المعرفة ونهارك قريب