بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الشيخ المربي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه في حكمه
جنة المعارف محاطة بخندق حروف الأنا فاصنع جسر الْهُو بالذل والإفتقار والإنابة والإستغفار حتى تدخل زمرة العباد
جنة المعارف هي الغاية الكبرى التي يصلها السالك إلى الله تعالى وهي الهدف الذي يجعله نصب عينيه كل طالب للحقيقة وذلك بأن يدخل جنة المعرفة في الدنيا عندما تتوالى عليه أنوار القرب ولوائح الإصطفاء كما قال تعالى : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور ) البقرة 257…فيخرج من الظلمة إلى النور ومن الجهل إلى العلم وهذه الجنة أشار إليها الحق تعالى في كتابه العزيز في سورة الرحمن حيث قال عزوجل : ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) الاية 46 فهي جنة معجلة في الدنيا و الاخرى جنة مؤجلة إلى الأخرة وهما معا خاصتان لمن خاف مقام ربه وهو خوف يكون مصاحبا للمعرفة أو هي الهيبة التي تحجز العارف حال معرفته عن الوقوع في المحظور…وذلك أن شيطان المقام ينازع المريد حيثما حل في مقامات اليقين فهو لا ينفك عنه يريد أن يخرجه من مقامه…لذلك حذر الشيخ السالك منه قائلا : بأن جنة المعارف محاطة بخندق الانا
والخندق هو أُخدودٌ عميقٌ مستطيلٌ ، يُحفر في ميدان القتال ، ليتْقىَ به الجنود فكذلك طريق الدخول الى جنة المعرفة محاط بخندق الأنا فمن وقع فيه يوشك أن لا يخرج منه وهذا الخندق يحفره الشيطان للسالكين حتى ينتصر عليهم في معركتهم ضده وهناك احاديث كثيرة تشيرة الى ذلك منها قوله صلى الله عليه وسلم : (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات) رواه الامام مسلم ومن ذلك عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه خط ذات يوم على الأرض خطاً مستقيماً وخط حوله خطوطاً قصيرة عن جانبي الخط المستقيم ثم قرأ قوله تبارك وتعالى {وأنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقيمَاً فَاتبَّعُوهُ وَلا تَّتبعوا السُبُلَ فَتَفَرَقَ بكم عَن سَبِيله } ومر بأصبعه على الخط المستقيم ، وقال هذا صراط الله ، وهذه طرق عن جوانب الخط المستقيم ، قال عليه السلام : وعلى رأس كل طريق منها شيطان يدعو الناس إليه
و الأنا هي أصعب أمراض النفس إذا أن السالك كلما انكشف له شيئا من علوم الروح كلما نازعته الانا حتى تخرجه عن عبوديته لذلك عليه أن يعتقد أن كل ما وصله من خير قد ساقه الله له على يدي شيخه فبذلك يتخلص من الأنا حتى لا يطرد كما طرد ابليس الذي قال : انا خير منه
وقد يقول السالك : مادامت طريق الدخول الى جنة المعارف محاطة بما ذكرت فكيف السبيل إلى دخولها ؟ فالجواب هو في تتمة الحكمة حيث قال : فاصنع جسر الْهُو بالذل والإفتقار والإنابة والإستغفار حتى تدخل زمرة العباد…يعني أن هذا الخندق ما دام هو حفرة مهلكة عليك ان تبني جسر فوقه حتى تمر عليه للوصول الى جنة المعارف بالضبط كما هو موجود ذلك الجسر أو الصراط الذي هو منصوب على جهنم فلا تدخل الجنة حتى تجتازه…فمن تمكن من اجتياز خندق الأنا أو بشكل عام خندق الشهوات فانه سيتمكن بفضل الله تعالى من عبور الصراط بسهولة لان الدنيا هي دار العمل أما الاخرة فهي دار الجزاء نسأل الله رحمته وتوفيقه في الدنيا و الاخرة
والجسر الذي يصنعه السالك كما ذكره الشيخ هو جسر الهو بمعنى تحققك بفنائك وشهود نعم الله عليك وقيامك به تعالى فذلك يوجب لك الخيرات كلها لكن الشيخ قد خصص أربعة أشياء بها يبنى جسر الهو وهي
بالذل على اعتابه وهو بعكس العزة التي تورثها الانا في النفس وهي عزة موهومة لان العزة لله ولرسوله كما قال تعالى : ( ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين )المنافقون الاية8…فعزة الله قهره من دونه وعزة رسوله و المؤمنون بالله تعالى لا بغيره…لذلك خير ما يوطن عليه المريد نفسه على الذل لعزة الله تعالى
و بالإفتقار لجنابه حتى يكون العبد بين يدي ربه كالميت بين يدي مغسله وذلك عندما يمتلأ قلب المريد بأنوار قوله تعالى : ( ياأيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد ) فاطر15…فتشهد عندئذ أن الغنى لله تعالى و أن الفقر لغيره من المحدثات فبذلك يطفئ توهم الغنى الذي تورثه الأنا
وبالإنابة إلى الله تعالى وذلك بالرجوع الى الله تعالى بالمحبة و العبودية قال تعالى : { وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ } [الزمر:54] و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول إذا قام إلى الصّلاة من جوف اللّيل: « اللّهمّ لك الحمد أنت نور السّموات والأرض، ولك الحمد أنت قيّام السّموات والأرض، ولك الحمد أنت ربّ السّموات والأرض ومن فيهنّ. أنت الحقّ، ووعدك الحقّ، وقولك الحقّ، ولقاؤك حقّ، والجنّة حقّ، والنّار حقّ، والسّاعة حقّ. اللّهمّ لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكّلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدّمت وأخّرت، وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله إلّا أنت » (أخرجه البخاري)…فمن تحقق بالذل و الفقر سهل عليه الإنابة إلى الله تعالى في كل أحواله أما إذا وقع في مصيدة الأنا فلن يقدر على ذلك لانه لا يشاهد الا نفسه قد بقي معها ونسي ربه
وبالإستغفار وهو امان الله تعالى لكل سالك فمادام العبد مواضبا عليه قولا باللسان وحالا بالجنان فهو في مأمن من سخط الله تعالى وعذابه ومن سموم الأنا و حباله
فإن فعلت كل ذلك و ألزمت نفسك تحقيق ما ذكر سيكرمك الله تعالى بالدخول الى زمرة العباد الذين قال فيهم عز من قائل : ( إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ) الحجر الاية 42…فنسبهم الى حضرته العلية نسبة تشريف فهم لما خالفوا شيطان الأنا لم يجد ابليس الذي غلبت عليه الانا واصبح مظهرا للانا طريقا اليهم لذلك ادخلهم الحق في زمرة عباده و اكرمه بجنة معرفته وقربه
Want create site? Find Free WordPress Themes and plugins.
Did you find apk for android? You can find new Free Android Games and apps.