الحمد لله ذي الآلاءِ وَالنعم، المتفضل على خلقه بأنواع العطايا و الكرم، وَنَشْهَدُ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وحده لا شريك له، غرس في النفوس حب الوطن ، فوجدت في ربوعه الراحة والسكن، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، كان لوطنه و عشيرته بمكة مخلصا وداعيا، وصار بمدينته من بعدها هاديا و بانيا، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الذين كانوا لأوطانهم بناة، ولحماها حماة، وعلى من تبعهم وسار سيرتهم إلى يوم الدين أما بعد
وللأوطان في دمِ كلِ حُرٍ * يدٌ سلفت ودينٌ مستحقُ
المحبة للأوطان والانتماء للأمة والبلدان أمر غريزي وطبيعة طبع الله النفوس عليها، وحين يولد الإنسان في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءها ويتنفس هواءها ويحيا بين أهلها فإن فطرته تربطه بها فيحبها ويواليها، ويكفي لجرح مشاعر إنسان أن تشير بأنه لا وطن له، وقد اقترن حب الأرض بحب النفس في القرآن الكريم. قال الله عز وجل:(وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اُقْتُلُوا أَنْفُسكُمْ أَوْ اُخْرُجُوا مِنْ دِيَاركُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيل مِنْهُمْ) (النساء ـ 66)، بل ارتبط في موضع آخر بالدين، قال تعالى:(لَا يَنْهَاكُمْ اللَّه عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّين وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّه يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ) )الممتحنة الأية 8
ولما كان الخروج من الوطن قاسيًا على النفس فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم فارقوا أوطانهم هجرةً في سبيل الله، وفي سنن الترمذي بإسناد صحيح: عن عبد الله بن عدي بن حراء قال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) واقفاً جبال مكة فقال:(إنكِ لخيرُ أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجت منك ما خرجت)، قال العيني:(ابتلى الله نبيه بفراق الوطن)
ولما علم النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه سيبقى مهاجرًا دعا بتحبيب المدينة إليه كما في الصحيحين وفي (صحيح البخاري): أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها)، قال ابن حجر:(فيها دلالة على فضل المدينة، وعلى مشروعية حب الوطن والحنين إليه)
ومن مقتضيات الانتماء للوطن: محبته والافتخار به وصيانته والدفاع عنه والنصيحة له والحرص على سلامته واحترام أفراده وتقدير علمائه وطاعة ولاة أمره لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ? ) النساء الأية 59
ومن مقتضيات الوطنية: القيام بالواجبات والمسئوليات كلٌّ في موقعه مع الأمانة والصدق، ومن مقتضيات حب الوطن: احترام نظمه وثقافته والمحافظة على مرافقه وموارد الاقتصاد فيه، والحرص على مكتسباته وعوامل بنائه ورخائه، والحذر من كل ما يؤدي إلى نقصه
إن الدفاع عن الوطن واجبٌ شرعي، وإن الموت في سبيل ذلك شهامةٌ وشهادة، وفي قصة الملأ من بني إسرائيل: غافر (قَاَلوُا وَمَاَ لَنَا أَلا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) (البقرة ـ 246)
و الأدلة النقلية و العقلية كثيرة جدا في هذا الخصوص إلى جانب قوة الفطرة السليمة في حب الأوطان،ثم إن المواطَنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة و موالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان في يعيش الفرد في مرابعه كما قال شوقي
وطني لو شغلت بالخلد عنه * نازعتني إليه بالخلد نفسي
و الطريقة الكركرية عبر امتدادها التاريخي كانت ولازالت مثالا يحتذى به في حب الوطن و التشبث بوحدته الترابية، كانت حصنا حصينا ضد الإستعمار الإسباني، و حجر عثرة في طريق كل خائن للأهداب العرش العلوي المجيد
و الطريقة الكركرية أيضا متشبثة بالثوابت المغربية الأصيلة من المذهب المالكي و العقيدة الأشعرية و التصوف الجنيدي و الإمامة العظمى لإمارة المؤمنين، و كذلك نحن مع القضية الوطنية العادلة المتمثلة في مغربية الصحراء، بل إننا نقول بقناعة مطلقة بأن الصحراء ما هي إلا إقليم مغربي ، وذلك لأن التاريخ يؤكد أنها لا تقل مغربية عن باقي المدن المغربية ، وهذا الطابع يتضح من خلال منظور جغرافي ولغوي وثقافي وديني وعرقي ، ويتأكد أيضا من خلال ما كتبه العديد من الرحالة والجغرافيين والمؤرخين الأوربيين الذين جالوا عبر هذه المنطقة في بداية القرن الماضي ، ولا حظوا إلى أي حد كان المواطنون الصحراويون
متشبثين بمغربيتهم ،وأحقية ومشروعية المغرب في الصحراء مؤسسة على العديد من الحجج التاريخية والقانونية والسياسية ، فالدول التي تعاقبت على حكم المغرب من القرن الحادي عشر إلى القرن العشرين لها أصول صحراوية وانطلقت من الصحراء، وخير دليل على تلك الفترة الزمنية التي عاشها المرابطون والمرينيون والسعديون والدولة العلوية الشريفة، لذلك لا مجال لتزييف الحقائق في شأن قضيتنا الوطنية الكبرى لأن ذلك من الظلم والغصب و الفرقة التي نهى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها والله يقول الحق و يهدي إلى سواء السبيل