بسم الله الرحمن الرحيم
الشيخ المربي
قال تعالى:”و من يضلل الله فلن تجد له وليا مرشدا” سورة الكهف 17، تدل هذه الآية على أن الغاية في القدرة على الهداية الولي المرشد، و يتبين من خلال هذه الآية أن الولي المرشد نفسه لا يخرق مراد الله إن أراد الله إضلال إنسان، فإذا وجد الولي المرشد تكون الدعوة أكمل، و عندما يضع الإنسان يده بيد الولي المرشد يكون ذلك أجود ما يكون في باب الهداية إلى الله و إلى طريقه، و إذا كان الرسل عليهم السلام في الأصل هم الهداة الحقيقيين إلى الله عز وجل فالأولياء المرشدون هو الوراث الكاملون للأنبياء في باب الدعوة إلى الله عز و جل من هذا ندرك أهمية وجود الولي المرشد لصلاح الدعوة إلى الله عز وجل.
و قال تعالى:” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين” التوبة 119، يستشهد كثير من الصوفية بهذه الآية على أن الله عز وجل أمر بالكون مع الصادقين، و أن الله سبحانه و تعالى قد حدد لنا صفات الصادقين تحديدا دقيقا فمن اتصف بهذه الصفات فهـــــو الصادق و من لم يتصف بذلك فليس كذلك، قال الله تعالى:”إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله و رسوله ثم لم يرتابوا و جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون” الحجرات 15 و قال تعالى:”ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق و المغرب و لكن البر من آمن بالله و اليوم الآخر و الملائكة و كتاب و النبيين و آتى المال على حبه ذوي القــــــــــــربى و اليتامى و المساكين و ا بن السبيل و السائلين و في الرقاب و أقـام الصلاة و آتى الزكاة و الموفون بعدهم إذا عاهدوا و الصابرين في البأساء و الضراء و حين البأس أولئك الذين صدقوا و أولئك هم المتقون” البقرة 188.
و قال تعالى:”من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا ” الأحزاب 22.
و قال تعالى:”للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم و أموالهم يبتغون فضلا من الله و رضوانا و ينصرون الله و رسوله اولئك هم الصادقون” التوبة 122 . فالصادقون إذن هم المومنون المجاهدون الموقنون المصلون المزكون المتقون الصابرون الوافون بالعهود المنتظرون أن يقتلوا في سبيل الله، فالشيخ المربي ينبغي أن يتصف بهذه الصفات جميعهــــا و مربيا عليها. من خلال ما ذكرناه يتضح لنا أن الشيخ بالإضافة إلى أن يكون وليا و حتى تكون الدعوة أكمل ينبغي أن يكون مرشدا، فالولاية التي هي جزء من المشيخة و تقتضي إيمانا و تقوى قال تعالى:”ألا إن أوليـاء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون الـــــذين آمنوا و كانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا و في الآخرة”. يونس 62-64.
و مما سبق ذكره ندرك أمهات الصفات التي ينبغي ان يتصف بها الشيخ، و إذا كان الشيخ مرشدا فلا شك أن إرشاده يكون ضمن توجيهات الآية القرآنية :”فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين و لينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون” من هذه الآية نفهم أن الإرشاد يقتضي فقها في دين الله، ثم إنذارا، ومن لم يكن فقيها لا يصلح لمقام الإنذار، و من لم يقم بالإنذار لا يؤدي حق الله في فقهه، و التفقه يقتضي فقها في الكتـــــــاب و السنة، وفقها في الإسلام و الإيمان و الإحسان ، و من لم يحسن التربية على هذا كله لا يصلح لمقام الإرشاد، و من لم يحسن تعليم هذا كله و غيره لا يصلح لمقام الإرشاد الكامل أي مقام الشيخ الذي يخدم خدمة كاملة في موضوع السير إلى الله.
قال تعالى:”ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن” هذه النبوة وبالتالي بعضا من صفات الوارث، أي الشيخ في الاصطلاح الصوفي، أي الولي المرشد في الاصطلاح القرآني، فلا بد للشيـــخ أن يكون حكيما يدعو إلى طريق الله بالحكمة. و الحكمة معنى زائد على مجرد العلم.
قال الله تعالى:”و من يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا” فالحكمة عطاء من الله عز و جل، فقد
يقول رسول الله ص:” الجليس الصالح كبائع العطر إما أن تبتاع منه و إما أن يهديك و إما تشم الرائحة ” على الأقل تشم رائحة لا تخرج من عنده بلا شيء “و الجالس السوء كالحداد إما أن يحرق ثوبك و إما أن يزكم أنفك و إما أن يوسخ ثيابك”
فالصحبة لا بد منها فيقول ساداتنا الصوفية بالدارجة
اصحب الرجال لينجموا وإذا لغيت عليهم في الحين يعزموا و يوروك البحر و كفاش يلتوا
و يقال سلم للخاوي تنجى من العامر فالأدب مع الكل يوصلك إلى الصواب بحيث إن تأدبت مع الخاوي ثم الخاوي يأتي يوم ما تلتقي مع العامر فتعمر ، و لكن إذا لم يكن لك أدب و إن التقيت مع العامر لا تأخذ شيئا فأهل الله موجودون منذ الأزل في كل وقت و زمان فالبلاد لا تخلو منهم، و المنكرون كذلك من القديم، حتى في رسول الله ص قالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام و يمشي في الأسواق لولا أنزل عليه ملك وهو الذي نزل عليه جبريل عليه السلام و الوحي.
فالشيخ قبل أن يكون شيخا لا بد أن يكون مريدا تتلمذ على يد شيخ عن شيخ عن شيخ عن سيدنا علي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن يكون سار على درب شجرة مباركة زيتونة، فيكون بذلك مربيا مرشدا، ذكر الله، دخل الخلوة جدب ثم سلك فبذلك يكون قادرا على إدخال كل مريد الخلوة فيفتح عليه الله و يسلك به في مراتب الإسم الأعظم، و إلا فكيف لأستاذ مختص في اللغة العربية أن يلقن الرياضيات أو كيف لنجار أن يعمل حدادا بل كيف يكون النجار نجارا دون أن يتعلم النجارة.
قال شيخنا قدس الله سره في قصيدة عنونها بدت قيامتي أنا هكذا:”
علم عظيم أنــــا عينه ذي حقيقة بلا افتــــــراء
من شيخي إلي بالتلقي و أنا الآن صاحب الإلقاء
الشيخ شارب خمرة أزلية نورانية، عارف بالله، ذو دراية بالنفس و تطبيبها، هذا كله تكليف و أمانة كونها هبة من الله من جهة و من جهة أخرى أنه من الواجب عليه تبليغ ما أمده الله به من نور و علم و معرفة دون أن يختار أو يفرق بين هذا و هذا و الاختيار بالنظر في العيوب و الشمائل فكل من وفقه الله للوصول إلي الشيخ، فالشيخ ملزم بإمداد كل من طلب منه النور الرباني طاعة لله و لرسوله و سيرا على المنهاج الرباني الآمر لرسوله صلى الله عليه و سلم بالتبليغ قال تعالى:” يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك، و إن لم تفعل ما بلغت رسالاته، و الله يعصمك من الناس، إن الله لا يهدي القوم الكافرين” فعلى الشيخ التبليغ و على المريد الاستماع و الاتباع و إن لم يتبع فما على الرسول إلا البلاغ المبين قال ربنا عز و جل :”إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء”
فكما أن الشيخ يمد كل مريد، فكذلك على المريد تحمل الحفاظ على ما بايع عليه الشيخ أو العكس فإن حافظ على ذلك فهو في إمدادات نورانية معرفية، مشاهدات و استنباطات و أسرار فهو في خير دائم يغبطه عليه كل متذوق و إلا فهو نكث و العياذ بالله، فالمريد الذي يريد معرفة نفسه عليه أن يكون كالأرض يرمى عليها كل قبيح و تخرج كل طيب، الأرض يرمى عليها الغبار فتعطينا التفاح و الخضر الفواكه المختلفة الألوان و الأشكال و الأذواق فالمريد عليه طاعة الشيخ و متابعة نصائحه و قبول كل ما يبدر من شيخه، فبذلك و إن كانت عيوبه كثيرة و خصاله قبيحة، بالسير على منهاج شيخه و على خطاه يصبح هذا المريد بإذن الله مثل الأرض المعطاء منورا ينير و يستنير. فآداب الصوفية مع شيوخهم مستمدة من آداب الصحابة رضوان الله عليهم مع رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا نفهمه من قول الله عز و جل:”فلا و ربك لا يومنون حتى يحكمونك فيما شجر بينهم ثم لا يجدون في أنفسهم حرجا مما قضيت“.
إذن فكل من أراد طريق المعرفة و الإرشاد فالواجب عليه اتخاذ شيخ حي و دليل ذلك قوله عز وجل:” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين” و قوله :” اتبع من أناب إلي“، إن العلم وحده لا يكفي في اكتساب الحقيقة بل يتحقق بواسطة التهذيب النفسي على يد بصير عارف متمكن يأخذ بيدك إلى التحلي،يعرفك عيوب نفسك “من عرف نفسه عرف ربه“.
و شيوخ التصوف يرحبون باتخاذ الشيخ فالشيخ الشاذلي يستحب على المريد شيخا، بل ذهب الشاذلية وجوب اتخاذ شيخ و قد جاء هذا على لسان غير واحد منهم و من هؤلاء ابن عطاء الله رضي الله عنه في كتابه مفتاح الفلاح حيث يقول :”ينبغي على كل من زعم الإرشاد من أهل الحقيقة سالك طريق، ترك لهوه فانفذ إليه و اصدق في خدمته في الحاضر و لا يخطر لك عليه خاطر اعتراض فالإنسان ليس معصوم“. و لا تكتم عنه ما وقع في نفسك من محمود و مذموم و لا تقعد مكانه و لا تلبس ثوبه و اجلس بين يديه حتى يمكنك الاستقامة الكاملة من الصحبة و في مقدمتها عدم الرغبة في التسلط و الغرور و لا عيب في التواضع لأنه رفعة الكبار فقد امرنا الله تعالى بخفض جناح الذل و الرحمة فمن الأولى أن يكون ذلك الخفض للوالد الروحي قال تعالى :” يحبهم و يحبونه أذلة على المومنين أعزة على الكافرين“.
و قصة سيدنا موسى و الخضر عليهما السلام تحمل بين طياتها إشارات كبيرة تتعلق بالشيخ و المريد، منها أن الشيخ و لو بلغ عند نفسه و عند اتباعه و سمع بمن هو أعلم منه فينبغي له أن يرحل إليه ليزداد علما و يستفيد حكمة، فسيدنا موسى عليه السلام النبي الرسول من أولي العزم سأل السبيل إلى لقاء الخضر لما علم من الحق أنه أعلم منه.
اللهم لا تحرمنا سعة رحمتك، وسبوغ نعمتك، و شمولية عافيتك، و جزيل عطائك، و لا تمنع عنا مواهبك لسوء ما عندنا، و لا تجازنا بقبيح أعمالنا و لا تصرف وجهك الكريم عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.، و صل اللهم و سلم على سيدنا محمد بقدر عظمة ذاتك في كل وقت و حين.
بقلم الفقير أحمد الهبري