بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التوحيد لا إله إلا الله و هي مفتاح الجنة وهي المطهرة القلب من الدنس والشرك، من قالها كان آمنا في نفسه وفي ذاته وفي فكره، وابتعد من الشوائب وكان موحدا حقا، وكان مسلما حقا، وكان طائعا حقا وخصوصا إذا داوم عليها في السر و العلانية، في الظاهر و الباطن، وأعطاها حقها. . عن النبي صلى الله عليه وسلم من قال لا إله إلا الله مخلصا دخل الجنة، قيل وما إخلاصها؟ أن تحجز عما حرم الله “. فان تحقق القلب بمعنى لآ إله إلا الله وصدقه فيها وإخلاصه بها يقتضي أن يرسخ فيه تأله الله وحده إجلالا وهيبة ومخافة ومحبة ورجاء وتعظيما وتوكلا ويمتلئ بذلك وينتفي بذلك من القلب جميع أهاء النفوس وإرادتها إرادة وسواس الشيطان . فمن أحب شيئا أو أطاعه و أحب عليه وأبغض عليه فهو ألهه، فمن كان لا يحب ولا يبغض إلا لله ولا يولي ولا يعادي إلا لله فالله إلهه حقا، ومن أحب لهواه وأبغض له ووالى عليه وعادى عليه فإلهه هواه، كما قال تعالى “أ فرأيت من اتخذ إلهه هواه ” ومن هنا نرى أن كلمة لا إله إلا الله لها معان كثيرة يجب أن نوضحها حتى ندرك ما نعني، وبذلك يتحقق لدينا معرفتها. وأما صاحب الهوى الذي لا يدرك معنى لا إله إلا الله، قال الحسن:هو الذي لا يهوى شيئا ركبه. وقال قتاد: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى . ويروى من حديث أبي أمامة مرفوعا ” ما تحت ظل السماء إله يعبد أعظم عند الله من هوى متبع “. وكذلك من أطاع الشيطان في معصية الله فقد عبده كما قال الله عز وجل “ألم أعهد إليكم يا بني ءادم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين ” يس. فتبين بهذا أنه لا يصح تحقيق معنى لا إله إلا الله إذا لم يكن في قلبه إصرار على محبة ما يكره الله و لا على إرادة ما لا يريده الله. ومتى كان في القلب شيء من ذلك كان ذلك نقصا في التوحيد وهو نوع من الشرك الخفي. وبهذا قال مجاهد في قوله تعالى “ألا تشركوا به شيئا ” و قال لا تحبوا غيري. وهذا هو التوحيد الخالص الذي لا غموض فيه، ولقد تبين أنه الحق وأنه الصراط المستقيم، فالاتباع و الاستماع بوحدانية الله وحده لا شريك له و هو الهدف الأسمى عند المحققين وأصحاب الذوق الرفيع، ومن ثم خرج بن أبي الدنيا من حديث أنس ” لا تزال لا إله إلا الله تمنع العباد من سخط الله ما لم يؤثروا دنياهم على صفقة دينهم، فإذا آثروا صفقة دنياهم على دينهم ثم قالوا لا إله إلا الله ردها الله عليهم ثم قال كذبتم “
فتبين بهذا المعنى قوله (ص):”من شهد أن لآ إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار” وأن من دخل النار من هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها. فإن هذه الكلمة إن صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله. فمن صدق في قول لا إله إلا الله لم يحب سواه ولم يرج إلا إياه ولم يخش إلا الله ولم يتوكل إلا على الله ولم يبق له بقية من إيثار نفسه وهواه ومتى بقي في القلب أثر لسوى الله فمن قلة الصدق في قولها. نار جهنم يطفأ بنور إيمان الموحدين كما في الحديث المشهور”تقول النار للمؤمن: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي” وفي مسند الإمام أحمد عن جابر عن النبي (ص) قال :”لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه الصلاة و السلام، فنار المحبة في قلوب المؤمنين تحيا منها نار جهنم، قال الجنيد رحمه الله قالت النار لو لم أطعك هل كنت تعذبني بشيء أشد مني؟ قال: نعم كنت أسلط عليك ناري الكبرى قالت وهل نار أعظم مني وأشد؟ قال: نعم نار محبتي أسكنتها قلوب أولياء المؤمنين، وفي هذا قول بعضهم
ففي فؤاد المحب نار الهوى ***** أحر نار الجحيم أبردها
و يشهد لهذا المعنى حديث معاذ عن النبي صلى الله عليه و سلم قال :” من كان آخر كلامه لا إله ألا الله دخل الجنة ” فإن المحتضر لا يكاد يقولها إلا بإخلاص وتوبة وندم على ما مضى وعزم على أن لا يعود لمثله، و إن كلمة التوحيد حبيبة على كل قلب مؤمن فهي شعارهم يرفعون أصواتهم بها فوق كل مسجد ويذهبون الشياطين بذكرها وينتصرون بها على أعدائهم. ما من مسلم يرددها على لسانه إلا كانت له حاجزا بينه وبين النار، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ” ذاق طعم الإيمان من آمن بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا “.
قال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى: قيل لزبيدة في المنام ما فعل الله بك؟ قالت غفر لي بأربع كلمات؛ الأولى: لآ إله إلا الله أفني بها عمري. و الثانية لآ إله إلا الله أدخل بها قبري. والثالثة لآ إله إلا الله أخلو بها وحدي. والرابعة لآ إله إلا الله ألقى بها ربي. ومر علي بن أبي طالب رضي الله عنه على مقبرة؛ فقال السلام عليكم يا أهل لا إله إلا الله، كيف وجدتم لا إله إلا الله ؟ فهتف هاتف فقال: وجدناها منجية من كل هلكة. وقال ابن عباس رضي الله عنه: ينادي مناد من تحت العرش أيتها الجنة وما فيك من النعيم لمن أنت ؟ تقول لأهل لااله الا الله وأنا محرمة على من لم يقل لا إله الا الله ثم تقول النار وما فيها من العذاب لا يدخلني إلا من أنكر لاإله إلا الله، ولا أطلب الا من كذب بلا إله إلا الله، وأنا محرمة على من قال لا إله ألا الله. ثم تقول مغفرة الله ورحمته أنا لأهل لا إله إلا الله وناصرة لمن قال لا إله إلا الله ومحبة لمن قال لا إله إلا الله والجنة مباحة لمن قال لا إله إلا الله والنار محرمة على من قال لا إله إلا الله .أرى المؤمن يتدرج من مقام الى مقام بفضل نعمة لا إله ألا الله، فأبواب الجنة مفتوحة في وجه قائل لا إله إلا الله و النار محرمة عليه، فعلى المؤمن أن لا يتوقف لحظة عن ذكرها ويعود لسانه على لفظها حتى تصير له لذة يتلذذ بها في ليله ونهاره، حتى يصل إلى مراتب الرجال الواصلين إلى رضى ربهم، وقال الغزالي رحمه الله التوحيد ينقسم إلى لب ولب لب وإلى قشروقشر قشر مثال اللوز له قشرتان عليا وسفلى وله لب وهو القلب ولب اللب وهو الدهن فمثال القشرة العليا أن يقول العبد بلسانه لا إله إلا الله وقلبه غافل ومثال القشرة السفلى توحيد المنافق فإنه ينفعه ما دام في الدنيا فإذا مات طرح في النار، ومثال اللب توحيد المؤمن لكن اللب لا يخلو من أشياء لا فائدة فيها كالقشرة الرقيقة الساترة للب فهكذا المؤمن، لأن المؤمن لا يخلو من الالتفات إلى زينة الدنيا، ومثال الدهن توحيد العارف فالدهن لا يخالطه شيء، فكذلك توحيد العارف صار خالصا لا يرى الا الله، ولهذا قيل للجنيد: في النزع قل لا اله الا الله فقال ما نسيته فاذكره. وقال ذو النون المصري رحمه الله ما طلبت الدنيا الا بذكر وما طلبت الآخرة الا برحمته وما طلبت الجنة الا برؤيته. وقال مالك بن دينار وقفت يوما على صومعة راهب: فسمعته يقول: أسألك الخلاص من القصاص، وأستغفرك من ذنوب ذهبت لذاتها وبقيت تبعاتها، فناديته يا راهب كيف تركت الدنيا؟ قال تركتها قبل أن تتركني، فقلت حدثني بقصتك كنت على دين النصرانية فرأيت في المنام قائلا يقول: ويحك إله كم تعبد غير الله ان عيسى عبد من عبيد الله فقلت له: من أنت؟ فقال أنا شفيع المذنبين أنا الذي بشر بي عيسى بنبوتي وشهد موسى بنبوتي أنا في التوراة موصوف وفي الانجيل معروف ثم مسح بيده على صدري وقال اللهم اعط عبدك الرشاد ووفقه للسداد فانتبهت ولا شيء أحب الي من الاسلام، فأسلمت وسكنت في صومعتي هذه.
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: موسى يا رب علمني شيئا أذكرك به قال قل لا إله الا الله فقال يا رب كل عبادك يقول هذا انما أريد شيئا تخصني به، قال يا موسى لو أن السموات السبع و الأراضين في كفة و لا إله الا الله في كفة مالت بهم لا إله الا الله . رواه النسائي ويظهر للعيان أن الإيمان لا يتم الا بعد النطق بها و السير على نهجها و التمسك بما تهدف اليه هذه الكلمة الشريف. وعن أبن عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ليس على اهل لا إله الا الله وحشة في قبورهم ولا منشرهم وكأني أنظر الى أهل لا إله الا الله وهم ينفضون التراب عن رؤوسهم، ويقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن. وههنا الآية تشير الى ما في الحديث المذكور أعلاه حيث يقول الله تعالى :” الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب وروي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما من عبد قال : لا إله الا الله في ساعة من ليل أو نهار الا وطمست ما في الصحيفة من السيئات، حتى تسكن الى مثلها من الحسنات ” رواه ابو يعلى .وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” ما قال عبد لا إله الا الله قط مخلصا الا فتحت له أبواب السماء حتى يفضي الى العرش ما اجتنبت الكبائر رواه الترمذي وعن يعلى بن شداد قال : حدثني أبي شداد بن أوس رضي الله عنه، وعبادة بن الصامت حاضر يصدقه قال : كنا عند النبي صلى الله عليه و سلم فقال: “هل فيكم غريب ؟ قلنا : لا يا رسول الله
فأمر بغلق الباب وقال: ارفعوا أيديكم وقولوا لا إله الا الله، فرفعنا أيدينا ساعة، ثم قال: الحمد لله اللهم بعثتني بهذه الكلمة، وأمرتني بها ووعدتني عليها الجنة، وأنت لا تخلف الميعاد ثم قال: أبشروا فان الله قد غفر لكم. رواه أحمد باسناد حسن و الطبراني وغيرهما.
وأريد أن أوضح و أبين ما يغيب عن ذهن أحد من الناس في هذه السلسلة من الأحاديث الكثيرة التي دونتها في هذا الكتاب
وفضل لا إله الا الله عند الموت لشهادة أن لا إله الا الله تأثير عظيم في تكفير السيئات و احباطها : لأنها شهادة من عبد موقن بها عارف بمضمونها، وأقبلت بعد اعراضها وذلت بعد عزها، وخرج منها حرصها على الدنيا وفضولها واستخذت بين يدي ربها وفاطرها ومولاها الحق أذل ما كانت له وأرجى ما كانت لعفوه ومغفرته ورحمته، وتجرد منها التوحيد بانقطاع أسباب الشرك وتحقق بطلانه؛ فزالت منها تلك المنازعات التي كانت مشغولة بها واجتمع همها وأيقنت بالقدم عليه والمصير اليه فوجه العبد وجهه بكليته اليه، وأقبل بقلبه وروحه وهمه عليه؛ فاستسلم وحده ظاهرا وباطنا واستوى سره وعلانيته، فقال: لا إله الا الله مخلصا من قلبه، تخلص قلبه من التعلق بغيره و الالتفات الى ما سواه، قد خرجت الدنيا كلها من قلبه، وشارف القدوم على ربه، وخمدت نيران شهوته، و امتلا قلبه من الآخرة فصارت نصب عينيه وصارت الدنيا وراء ظهره فكانت تلك الشهادة الخالصة خاتمة عمله؛ فطهرت من ذنوبه وأدخلته على ربه الى أن لقي ربه بشهادة صادقة خاصة ووافق ظاهرها باطنها وسرها علانيتها فلو حصلت له الشهادة على هذا الوجه في أيام الصحة لاستوحش من الدنيا وأهلها و فر الى الله من الناس وأنس به دونما سواه لكنه شهد بقلب مشحون بالشهوات وحب الحياة وأسبابها، ونفس مملوءة بطلب الحظوظ و الالتفات الى غير الله فلو تجردت كتجردها عند الموت لكان لها نبأ آخر وعيش آخر سوى عيشها. وعن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا و النبيون من قبلي : لا إله الا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير . رواه الترمذي .
وعن ابن عمر رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم: من قال لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو الحي الذي لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير لا يريد بها الا وجه الله أدخله الله بها جنات النعيم ” رواه الطبراني .
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه و صل اللهم و سلم على سيدنا محمد عبدك و رسولك النبي الأمي
و على آله و صحبه .
بقلم الفقير أحمد الهبري