Want create site? Find Free WordPress Themes and plugins.
المعارج الحرفية في الكلمة الشريفة “لا اله الا الله محمد رسول الله
بسم الله الرحمن الرحيم و الصلاة و السلام على مولانا رسول الله و على اله و صحبه و سلم تسليما كثيرا
الحمد لله الذي من علينا بصحبة ولي من اوليائه الكرام و جعله لنا مددا. نستمد من قلبه علوم لم تخطر على قلوبنا من قبل ابدا. و عرفنا بالله و ربوبيته و بأنفسنا و عبوديتها حتي سرنا نعبد الله و كاننا نراه بل و اننا نراه. فبعدما كنا نطلب المقامات عدنا نطلب التنزلات و السفليات لكي لا نتزاحم مع الناس على المقامات {وَاللَّـهُ مَعَكُمْ وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} و {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}. وبعدما كنا نرجو من الله الكرمات وجدنا اكبر كرامة هي وجودنا بوجوده مع القيام بحقوقه. وجودا محدثا من العدم فاي كرامة هي اكبر من هذه و اي شرف هو اكبر من ان يوجدك الله و يعرفك به عليه و انت لا شيئ. الله الله الله. و الصلاة على الاطهر جسدا و الازكى روحا و الاصدق قلبا و الانور عقلا سيدنا محمد الاكمل خلقا و خلقا و الارقى مقاما عند الله, صلاة موصوفة بصفات الله و كاملة بكمال الله و على اله و صحبه و سلم تسليما.
في هذه الرسالة سننظر ان شاء الله من خلال قلب شيخنا الجليل سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره العظيم الى حروف افضل كلمة قالها رسول الله صلى الله عليه و سلم و الانبياء من قبله عليهم الصلاة و السلام وهي الكلمة الشريفة
لا إله إلا الله محمد رسول الله
خير امة
يقول الله عز و جل في كتابه الكريم: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ }. خير امة اخرجت للناس هي بالتحقيق امة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” من الجنس الانساني. فقد كانت من قبل رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم امم كثيرة تحمل شعار لا اله الا الله كما هو معلوم كأمة “لا اله الا الله عيسى كلمة الله” و امة “لا اله الا الله موسى كليم الله” و كما كان سيدنا ابراهيم امة بعين ذاته تحت “لا اله الا الله ابراهيم خليل الله” الى اخر الامم على انبيائها و على نبينا افضل الصلاة و التسليم. فكان المسلمون بشريعة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم كأمة هي خير امة من الجنس الانساني التي أخرجها الله للناس تحت مظلة الكلمة الشريفة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله”. و الاية الشريفة : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} لا تشير فقط الى الامة من الجنس الانساني بل تشير الى امم كثيرة من اجناس مختلفة “كنتم”. و لقد ذكر الانسان في الاية الشريفة لكونه الخليفة في الارض لا لاستثنائه بالخيرة من جهة الامة. فتفضيل الانسان على سائر الامم كان قدرا ازليا بدأ بسيدنا ادم عليه السلام. فكل الامم التي اخرجها الله تحت مظلة الكلمة الشريفة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” تعد من خير امة اخرجت للناس في جنسها. فأمة الجن المسلمين هي خير امة اخرجت للناس {الخليفة} من جنس الجن, و امة الحيوانات المصخرة للمسلمين و التي تذبح باسم الله هي خير امة من الجنس الحيواني, و امة النبات المصخرة للمسلمين هي خير امة من الجنس النباتي, و امة الالوان في امة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم هي خير امة من الجنس اللوني, و امة اصوات التسبيح و الحمد لله هي خير امة من الجنس الصوتي, و امة الطيب هي خير امة من جنس الروائح, و امة اللغة العربية هي خير امة من جنس اللغات, و امة الحروف العربية هي خير امة من جنس الحروف. و هذا على حسب المثل فقط فهناك من الامم بلا نهاية و كل امة اخرجها الله تحت مظلة الكلمة الشريفة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله” هي خير امة اخرجت للناس في جنسها لانها مصخرة لخدمة الكلمة الشريفة من جهة و لخدمة خليفة الله في ارضه من جهة اخرى
و لتوضيح المعنى اكثر سأعرض مثلين: امة الالوان المختارة اصلها اللون الابيض الذي تفرعت منه 12 لونا, فتجلى عليها الله باسمه الباطن فصارت 12 لونا باطنا و جعل اصلها الباطني في اللون الاسود. فكانت خير امة من الجنس اللوني بعدد حروف الكلمة الشريفة و هي 24 لون. 12 لون ظاهر و 12 لون باطن. و من الحكم الكبيرة التي من الله بها على شيخنا الفاضل الختم سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره ان الله جمع له خير امة الالوان في المرقع الذي يلبسه لمريديه. فكان ظاهر المرقع يدل على ال12 لون الظاهرة و باطن المرقع اي داخله يدل على ال12 لون الباطنة لاتمام ال24 لون. و هذا فضل كبير اختص الله به هذه الطريقة الشريفة من دونها من الطرق. و المثل الثاني امة الاصوات المختارة التي هي اصوات التسبيح و الحمد لله و افضلها تسبيحه و تحميده به هو و هذا لا يكون الا باسمه المفرد “الله”. فاللفض بالاسم المفرد “الله” ينتج افضل صوت على الاطلاق لانه تسبيح و تحميد الله بالله. و حتى من هذا الباب نحمد الله و نشكره اذ جعل افضل صوت من امة الاصوات “الله” من اصول طريقتنا الشريفة و اعطى لشيخنا قدس الله سره شهرة كبيرة في تلقين الاسم المفرد في هذا الزمان الذي كاد يفقد فيه. وهذه الشهرة لم نراها الا في عهد الشيخ الختم سيدي احمد العلوي رضي الله عنه و ارضاه. و هكذا جرت حكمة الله في جميع الامم التي خيرها الله على سائر امم جنسها تعظيما لامة حبيبه سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و لهذا سماه الله المختار لكون خير الامم هي التي اخرجت تحت راية رسالته فكان المختار جامع لكل الخير.
اللغة العربية و حروفها
في هذه الرسالة سنستثني بالكلام على خير امة من امم الحروف و هي الحروف العربية التي تتكون من 28 حرف, منها 14 حرفا نوراني و هي الحروف المنقطعة في اوائل سور القران الكريم ك: الم و الر و كهيعص و 14 حرفا ظلماني و هي باقي الحروف العربية. و لكونها خير امة من امم الحروف زوجها الله بخير امة اللغات و هي اللغة العربية و جعلهما اساسا لرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم. فرسالته صلى الله عليه و سلم عربية تنزيلا و عربية رسما و بأفضل خلق الله صلى الله عليه و سلم صارت اللغة العربية افضل لغة و حروفها افضل الحروف. و اعظم كلمة نطقت بها العربية و رسمتها حروفها هي بالاجماع الكلمة الشريفة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله” كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: {خير ما جئت به والنبيون من قبلي قول لاإله إلا الله
و بعون الله سنبين من خلال هذه النظرة بعض الاسرار التي توجد في اشكال الحروف العربية في الكلمة الشريفة. و لا يعلم جميع اسرارها الا الله و رسوله. و هذه الاسرار التي اختصت بها العربية لغة و رسما هي من الاسباب التي حفض الله عز و جل بها القران الكريم من التحريف و التزوير لان شكل الحروف العربية لها باطن يطابق ظاهرها و لها حركات تبين معنى كلماتها و جملها في النطق. هذه هي قاعدتها. فالعارف بالله ينظر بعين قلبه الى انطباق الحروف ظاهرا و باطنا من جهة و الى حركات الحروف و معنى كلماتها من جهة اخرى. فاذا وجد علة من جهة ما في هذه القاعدة علم ان التنزل الالهي قد رفع و زال الوزن الحكمي الالهي و سار مكانه وزن انساني هوائي ناتج من النفس و الجهل او من الشيطان, اعاذنا الله من شره و مكره. وهذا ما وقع للتورات و الانجيل. اما كلام الله العربي فهو محكم و محفوض بالله و لهذا نجد هذه القاعدة هي اساس القران الكريم و الحديث النبوي الشريف:{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ}. اما غيره من كلام العامة فلا نجد هذه القاعدة الا في كلام العارفين بالله على قدر منازلهم و همتهم, اما غيرهم ففقط ينطق عن الهوى. فمن فهم من كلام اهل الله العارفين بالله شيئا فهنيئا له, و من لم يفهم فعليه بالتسليم و حسن الضن بالله و عباده حتى يجعله الله ان شاء منهم
الكلمة الشريفة
الكلمة الشريفة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله” من جهة شكل الحروف تحمل اسرار كثيرة و جميلة و تشهد بنفسها على تحقيق التوحيد لله عز وجل. كما تبين لنا ايضا السير الصحيح و الطريق الوضيح على الصراط المستقيم الى الله الخالي من الاعوجاج و من السبل. ومن هذه الاسرار اشتمالها على الحقيقة الكنزية الاولى التي يسميها اهل الله بالحضرة الاحدية و الحقيقة الكنزية الثانية التي يسميها اهل الله بالحضرة الواحدية و الحقيقة المحمدية و الحقيقة الاحمدية. فهذه اربع حقائق من حقائق التنزل. و كل من هذه الحقائق تحوي اسرار كثيرة لا يعلمها الا الله و رسوله. منها سر الدهر, و سر الرسالة, و السر الذي جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقل “لا” ابدا و تبعه في ذلك العارفون, و سر البسط و القبض و سر القبضة النورية و سر الاسراء و المعراج للنبي صلى الله عليه و سلم و غيرها مما لا نهاية له و ما لا يعلمه الا الله و رسوله. و كل هذه الاسرار لها علاقة ببعضها البعض و هدفها معرفة الله حق معرفته لأداء جميع حقوق العبودية: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }. فمن عرف شيئ من هذه الاسرار التي توجد في الكلمة الشريفة كانت حرفية او رمزية او معنوية او ذاتية او ضاهرية او باطنية فقد اوتي الحكمة {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ}. و من هذه الاسرار تنفلق انوار العلوم و المعرفة اللدنية التي يهبها الله لعباده الصالحين وبهم تكمل دائرة التنزل لمعرفة الله سبحانه و تعالى و تشرع اسباب التكليف و العبادة لله سبحانه و تعالى
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اخبارا عن ربه جل و على:{ كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أُعرف فخلقت الخلق وعرفتهم بي فبي عرفوني}. هذا الحديث المعروف عند السادة الصوفية من اول الزمان و المنكور من بعض الجهال هو من اجمل ما اخبر به صلى الله عليه و سلم عن ربه عز وجل لكون هذا الحديث يشتمل على الحقائق الاربعة التي نتكلم عليها ههنا. فتسمية الحقيقتين الاحدية و الواحدية بالكنزية تجد اصلها من هذا الحديث القدسي: كنت كنزا. و الحقيقة المحمدية هي القبضة النورانية التي خلق الله منها الخلق محبة منه ان يعرف و عرفهم به. و الحقيقة الاحمدية هي الذات الطاهرة التي خلقها الله لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و التي اصطفاها لحضرته في قاب قوسين او ادنى. فأنزل الله فيها في هذه الحضرة العالية من الاسرار و الانوار ما يليق بعلو سيدنا محمد و عطيم شأنه عند الله, صلى الله عليه و سلم. و بهذه الاسرار و الانوار اكتمل الدين على شريعته صلى الله عليه و سلم و اكتملت به في نفس الوقت معرفة الله سبحانه و تعالى: فبي عرفوني. و هذا الحديث الشريف يبين لنا ايضا ان الحقائق ليست الا تنزلات للحق سبحانه و تعالى. فكان الله سبحانه و تعالى كنزا على حقيقة احدية لا تقبل الا الجمع فتنزل الى الحقيقة الواحدية التي تقبل الكثرة و العدد, ثم تنزل الى الحقيقة المحمدية ليخلق الخلق و يعرفهم به, و بعدها تنزل في الحقيقة الاحمدية ليكمل معرفة الخلق به و يكمل لهم شريعة معرفته. او نقول تنزل من الذات الى الصفات, و تنزل من الصفات الى الاسماء, و تنزل من الاسماء الى الافعال, و تنزل من الافعال الى الاحداث
و الان سنخوذ في الجهة الحرفية و اشكالها للكلمة الشريفة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله” و نرجو من الله النفع العام لمن يقرأ هذه الرسالة. الكلمة الشريفة ” لا إله إلا الله محمد رسول الله” من جهة شكل حروفها تشتمل ايضا على الحقائق الاربعة. ان شاء الله سنبين لطائف من كل حقيقة و سنبين لطائف من بعض الاسرار كما ذكرنا. نبدأ بعون الله بالحقيقة الكنزية الاحدية
الحقيقة الكنزية الاحدية
الحقيقة الكنزية الاحدية في حرفية الكلمة الشريفة هي “لا اله الا الله”. وهي ليست هنا الحروف و شكلها و لكن النور الازلي الذي جرى به و عليه المداد. فحروف لا اله الا الله هي من اعظم الحروف درجة و رفعة عند الله و كل من عظمها و اعطاها حقها كشف الله له عن اسرارها و انوارها و شاهد ما وراء الحرف من النور. و يمكننا من باب تسهيل المفهوم ان نقول ان الحقيقة الاحدية هي مداد الحروف الذي ينشق منه كل شيء اي كل حرف. و لكون المداد هو الذي يظهر الحرف كان المداد محيطا بالحرف من كل جهاته, و هكذا الحقيقة الاحدية, فهي محيطة بكل شيء: { وَلِلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطًا}. و المداد به يبدأ الحرف و به ينتهي و له ظاهر خطي و باطن نوري و هكذا الحقيقة الاحدية: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ}. و لقد كان المداد قبل تشكل الحروف و قبل وجودها و هو الذي اظهرها باشكالها من العدم. فالمداد بمعني الحقيقة الاحدية له هوية ازلية. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { كان الله و لم يكن شيئ غيره}. اذن حتى الحروف لم تكن في هذه الحقيقة ولم تكن الا النقطة التي انشقت منها الحروف. و قال الله عز و جل تعريفا بحقيقته الكنزية الاحدية : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}. و هذه حقيقة ثابتة الى نهاية التنزلات, فان تكلمنا عن الحروف فالميم لسي كالكاف و ان تكلمنا عن الناس فزيد ليس كعمر و ان تكلمنا عن الحيونات فالفأر ليس كالاسد. فليس كمثله شيء حقيقة مطلقة ليس كمثله شيء في ذاته, و ليس كمثله شيء في صفاته, و لسي كمثله شيء في اسمائه, و ليس كمثله شيء في افعاله و ليس كمثله شيء في محدثاته. فالله سبحانه و تعالى نزه نفسه بنفسه عن التشبه و المثل. و في القران الكريم يشير الله الى هذه الحقيقة الاحدية بكلمة “هو” و الايات فيها عديدة, وعلى حسب المثال: {اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} و {شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ} و اكثر الايات تبيانا لهذا هي:{ هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَالرَّحْمَـٰنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّـهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللَّـهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. فبينت لنا هذه الاية الشريفة ان الحقيقة الاحدية هي حقيقة الجمع و ليست فيها الا الذات. و الصفات و الاسماء فيها عين الذات: {قُلِ ادْعُوا اللَّـهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَـٰنَ}. فالدعاء بالنسبة للحقيقة الاحدية هو دائما دعاء الذات لانها حضرة عبودية الأحد و لا يجوز شهود غيرها مع وجودها. اما معرفة الله في الحقيقة الاحدية فهي للانبياء و الرسل و للاكابر من اولياء الله الصالحين الذين فنوا فناء كليا في ذات الله. و كلام المعرفة الذوقية فيها لا يجوز الا لاهلها نفعنا الله بهم في الدنيا و الاخرة و نحن لسنا منهم. و الحمد لله الذي من علينا بصحبة ولي من اكابر اهلها و هو شيخنا الجليل سيدي محمد فوزي الكركري قدس الله سره الذي نشم فيه رائحتها حتى لو لم نكن من اهلها.
الحقيقة الكنزية الواحدية
الحقيقة الكنزية الواحدية في حرفية الكلمة الشريفة هي “لا اله الا الله محمد رسول الله”. وهي حقيقة الكثرة و التعدد لاضافة واو التعدد لها: احد صار واحد. و هي حضرة الصفات و الاسماء الالهية, هي حضرة الحي القيوم و القادر على كل شيء و العليم بكل شيء و السميع الذي يسمع دبيب النملة السمراء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء لانه اعطى للنملة وجودها, و هي حضرة الرحمن الرحيم و الغني الكريم و الضار النافع. و في الكلمة الشريفة هي المداد و الحروف معا. و حروفها عضيمة الشأن و عالية القدر عند الله و كلها نورانية الا دال محمد و واو رسول. فقبلت هذه الحقيقة النور و الظلمة. و جعل الله لحكمة الهية ظلمة في كلمة رسول لتكون حجابا لاهل الكفر بالله عن الايمان بالله عندما يرسل الرسل و جعل ظلمة في محمد لتكون حجابا لاهل النفس عن معرفة الله بالله فعرفوه بانفسهم و انكروا على اولياء الله الصالحين اهل التربية و الطريقة. فلولا هذه الظلمة لما توهم احد انه موجود مع الله بنفسه. و لما كانت الحقيقة الاحدية هي حضرة الفناء في الله كانت الحقيقة الواحدية هي حضرة البقاء بالله, او نقول بلا اله الا الله يكون الفناء لان القديم اذا ظهر على الحديث تلاشى الحديث و بقي القديم, كما قال الجنيد قدس الله سره. و بمحمد رسول الله يكون الارسال و العودة الى البقاء و يكون البقاء بالله لان الحديث عدم و العدم يستمد وجوده من وجود الله وهذه هي حقيقة الرسالة. فبهذه الحقيقة يكون اذن البقاء بعد الفناء في الله. و المتمكن في هذه الحقيقة الواحدية هو الذاكر الواصل و شرع الطريقة يأمر بها اكثر مما يأمر بالحقيقة الاحدية لان انوار الاحدية لا يطيقها لوقت طويل الا القطب الغوث و لا يفنى فيها فناء كليا الا الختم قدس الله سره. و هذا بالطبع من بعد سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم الذي ختمت به دولة الانبياء و الرسل الذين كان لهم نفس الفناء في الله. و هي ايضا حضرة الاضداد ففيها الرب و العبد, و الغني و الفقير, و العليم و الجاهل, و الذاكر و الغافل, الخ. و اعلى صفة في الحقيقة الواحدية هي صفة الرحمن التي انشقت منها الرحمة المهدات للعالمين في الحقيقة المحمدية: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } . و في البسملة نجد اول اسم يتبع الله هو الرحمن: { بسم الله الرحمن الرحيم }, فأكد الله على علو صفة الرحمن بالرحيم, فالرحيم تشديد و تأكيد للرحمن. فيسري اسمه الرحمن في جميع خلق الله و تشتد الرحمة في امة سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم. او نقول رحمن في الدنيا و رحيم في الاخرة لكثرة تجلي صفة الرحمن في الاخرة و شدتها.
الحقيقة المحمدية
الحقيقة المحمدية في حرفية الكلمة الشريفة هي “محمد رسول الله”. و هي البرزخ الاعظم الذي جعل الله بين الحقيقتين الاحدية و الواحدية و بين خلقه: { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ}. فمهما وصل الذاكر الا وجد قدم سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم امامه لاستوائه على عرشها و لا ينال من الاحدية و الواحدية الا ما ادرك من الحقيقة المحمدية المنطوية في ذاته. و تعريف حقيقتها يوجد في كلمة “رسول” لان حقيقتها هي الرسالة و الارسال و الاسترسال. يعني حقيقة سريان الاسماء و مظهر الصفات, او حقيقة الواسطة و الوسيلة, او حقيقة التنزل من القديم الى الحديث او من الجبروت الى الملكوت الى الملك, او حقيقة التنزل من الذات الى الاسرار الى الانوار الى الاحداث و غيرها. و سر الرسالة هو كل ما نراه و نسمعه و نشمه و نتذوقه و نحس به و نعقله و ندركه بالبصيرة لا يكون ولا يجوز الا بالحقيقة المحمدية التي انطوت فينا. فهي القبضة النورانية التي خلق الله منها كل شيء. التي انشقت منها الاسرار الاحدية و انفلقت منها الانوار الواحدية. و التي ارتقت فيها حقائق المعرفة و تنزلت فيها علوم الشريعة. و التي سجدت لها الملائكة عندما ظهرت بها خلافة سيدنا ادم عليه السلام. و لها ايات كثيرة في القران الكريم, من اجملها و اوضحها الاية: { إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّـهَ يَدُ اللَّـهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} و الذين يبايعون الحقيقة المحمدية هم الانبياء و الرسل و الاولياء الصالحين الذين بايعوا من اجل العبودية لله. و الاية: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } فتفرقت الرحمة المهداة من الحقيقة المحمدية الى الذين بايعوه على عبودية الله من الرسل و الانبياء من قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم و اولياء الله الصالحين من بعده ثم الى عامة الخلق رحمة للعالمين. فكانت هي الحقيقة التي خلق الله منها كل شيء و عرف الله بها خلقه كل شيء عنه و كانت هويتها الرحمة من الرحمن الرحيم و وكل بها خليفته الانسان. و كل الرسل و الانبياء استمدوا شريعتهم منها الى ان كملت في سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم و سميت باسمه تشريفا لها. و نقول تشريفا لها لان تحقق سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم بالحقيقة المحمدية هو عين الحقيقة الاحمدية و هي اشرف من الحقيقة المحمدية لانها تخص الذات الشريفة الطاهرة المحمدية و لا تنبغي الا لرسول الله صلى الله عليه و سلم. و لهذا تشرفت المحمدية بالاحمدية كما تتشرف الروح بالذات, او نقول المحمدية بالنسبة له صلى الله عليه و سلم كالروح و الاحمدية كالذات
اذا نظرنا الى الكلمة الشريفة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” من الجهة الحرفية و شكل حروفها فنرى انها قد شملت الحقيقة المحمدية باكملها. و الحقيقة المحمدية تبدأ فيها بلام “لا” و تنتهي بهاء “الله” من “محمد رسول الله”. وفي الحقيقة لا بداية و لا نهاية لاي حقيقة الهية على الاطلاق و انما المراد هنى بداية و نهاية التنزل الذي اراده الله لذاته ليخلق الخلق و يعرفهم به عليه. و البداية و النهاية هنا ليس لها اي تعلق بمفهوم الزمان او المكان لان الله كان ولا زمان و كان ولا مكان كما هو الاول و الاخر حقيقة بلا زمان ولا مكان. وكلمة البداية “لا” تتكون من حرف اللام و حرف الالف. و حرف الام هنا كان في الحقيقة الاحدية الف أحد. فكان الالف و لاشيء معه فقبض قبضة من نوره و انشأها على صورته و قال لها كوني محمدا. فعندما ظهرت الف محمد احبتها الف الله حبا شديدا و قربتها اليها قربا نفى البعد فاصبحتا لا متلاصقة و لا منفصلة عن بعضها البعض. و صارت الف الله لاما ليتبين الرب من العبد. كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم لسيدنا جابر رضي الله عنه في الحديث الطويل:{…. أن الله قبض قبضة من نوره فقال لها كوني محمدا فكانت….}. اي قبض قبضة من نور الهاء التي تشير الى هويته الكنزية. “فقال لها كوني” تعني وجود فاعل مذكر “قال” و وجود مفعول به مؤنث “لها كوني”. و الالف هنا بمثابة القبضة النورية. و الله سبحانه و تعالى جعل الالف ملتصقا باللام دلالة على الاصل و الفرع. فليس الفرع الا الاصل. و حتى في شكل الحرفين الشريفين هناك تشابه في النشأة, فحرف اللام هو في الحقيقة الف موصول او الف ممد. و الالف هو الف مفعول به و الف مستمد. اذن شكل اللام يشبه شكل الالف و لهذه الحقيقة يوجد حديث لطيف لاولي الالباب. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا}. فأخبرنا عن طول سيدنا ادم عليه السلام و لم يخبرنا عن عرضه و كأنه يشير الى الالف المحمدي رمزا بسيدنا ادم عليه السلام الذي خلق على صورته اي على صورة الله في التنزل المحمدي و ليس في الحقيقة الكنزية
و كلمة “لا” هنا لا تعني كلمة نفي بمعني لا و نعم. و انما تعني عطاء مطلق كما يليق باله قادر و غني. فالله سبحانه و تعالى لا يعرف كلمة لا على الاطلاق, فخلق الخلق جملة واحدة و انزل القران جملة واحدة و يعطي بلا حساب و ينفق كيف يشاء. فتجري في هذا الحكمة الالهية و تسري فيه اسمائه الباسط و القابض فيبسط لينفع و يقبض لينفع كما فعل مع سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم في تنزيل القران فنزل القران جملة واحدة ثم حكمه بالبسط و القبض جزيئا على مدة 23 سنة لينفع الناس. و كما فعل ايضا مع الخلق فخلق الخلق جملة واحدة في البرزخ ثم حكمه بالبسط و القبض هبوطا الى الكون على مدة 7000 سنة. وهذه الحكمة لنفهمها اكثر يمكن ان نمثلها بفلاح له غرس. فيشتري الماء جملة واحدة و يسقي الغرس بحكمة. فان رأى الغرس يابسا بسط عليه الماء و سقاه و ان رأه غارقا قبض عليه الماء و حماه, وهذا هو سر القبض و البسط. اذن كلمة “لا” هي عند الله بمعنى العطاء المطلق و لهذا يستجيب الله دعاء الداعين اجمعين, كانوا مسلمون او كفارا. اذا سؤل اعطى. اللهم انا نسألك رضاك علينا و على جميع المسلمين. و هذا هو السر الذي جعل رسول الله صلى الله عليه و سلم لم يقل “لا” ابدا تخلقا بأخلاق ربه العظيمة, و تبعه في ذالك العارفون بالله تخلقا باخلاقه صلى الله عليه و سلم
فلما قبض الله القبضة النورية نظر اليها نظرة هيبة فكانت اول حركة لها هي السجود لله. و هذا السجود نجده في الكلمة الشرييفة في كلمة “إله” و نرى هنا ان الالف قد خفضت همزته و سار ساجدا ل: “له” من اله. فاللام هنا هو النور الذاتي الذي قبض منه و الهاء هي هاء “هو” التي تشير الى الحقيقة الكنزية. فسجد النور المحمدي للنور الكنزي. فأنتج هذا السجود محبة كبيرة من الله للحقيقة المحمدية فرفعه به من جديد و اقامه عبدا بين يدي حضرته. و هذا نجده في كلمة “إلا” فنرى الالف الاولى مستقلة بسجودها اي مستقلة بعبوديتها و نرى ان الله رفعها من جديد و الصقها من جديد بلام النور الذاتي دون حركة. فالالف الاولى من “إلا” مازالت منخفضة الهمزة و الالف الثانية سارت ملتصقة باللام بدون حركة. فلما صحت استقامة الالف بالعبودية التي ارادها الله لنفسه سارت الالف مؤهلة للدلالة على الله فأقامها الله في كلمة “الله” تمد الخلق بعدها بما مدت قبلها من الصفات و الاسماء الكنزية. فقبل الالف من كلمة “الله” كان في الكلمة الشريفة “لا إله إلا ” فجمع الله هذه الحروف كلها في كلمة “الله” ففيها نرى تكرار لكل الحروف
و عندما استقامت الحقيقة المحمدية بالعبودية لله و سارت مؤهلة لتمد ما بعدها من الحقيقة الكنزية التي كانت قبلها خلق الله الخلق على صورتها كما خلق أدم عليه السلام على صورته في الحقيقة المحمدية, اي خلق الخلق على حقيقة العبودية لله فكان التنزل المحمدي تنزل عبودي للذات العالية الطاهرة. او كما قال الله سبحانه و تعالى تعريفا بهذا:{ وَلِلَّـهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}. و الظلال هنا هي جمع ظل و تشير الى التنزل الذي ذكرناه فالحقيقة المحمدية هي ظل الكنزية الواحدية و الكنزية الواحدية هي ظل الكنزية الاحدية. و الخلق هو ظل المحمدية و هكذا. قال الله تعالى:{ أَلَمْ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا}. اي الم ترى الى الله كيف تنزل من حقيقة الا حقيقة دون احتياجه الى ذالك لان الظل لا يغير الاصل الكنزي و جعل نوره الذاتي عليه دليلا. قال الله تعالى ايضا: { اللَّـهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ}. فالمشكات محيطة بالزجاجة و الزجاجة محيطة بالمصباح من جهة مفهوم الحجم و من جهة اخرى يمكننا ان نقول ان المصباح مع صغر حجمه هو المحيط بالكل بنوره و هو الفاعل بالزجاجة و المشكات لان لا ضهور لهما اصلا بدون نور المصباح. سر القبضة النورانية هو التنزل الثلاثي للنور الذاتي ليمد الله كل حقيقة بنورها الخاص
فعندما استقامت الف الحقيقة المحمدية مستدلة على الله خلق الله الخلق الذي اراده لعبادته خلقا برزخيا و تنزل الله الى الحقيقة المحمدية التي هي حقيقة التعريف و المعرفة بالله ” فخلقت الخلق وعرفتهم بي” بحقيقة “محمد رسول الله”. فخلق الملائكة و الجن و الانس و الاراضي و السموات على صورة الحقيقة المحمدية التي هي صورة العبودية خلقا برزخيا و بدأت بمشيئته مرحلة الهبوط من البرزخ الى الكون بتحكم الاسمين الباسط و القابض. و نقول هنا الهبوط لان الهبوط بخلاف التنزل له علاقة بالمكان و الزمان الذي نعرفه. فالكون مكان و زمان, له بداية مكانية و زمانية و له نهاية مكانية و زمانية. فعندنا تنزل ذاتي خاص بالله سبحانه و تعالى كما ينزل الله كل ليلة في الثلث الاخير من الليل الى سماء الدنيا ولا علاقة له بالمكان و الزمان و عندنا هبوط خاص بالخلق. كما ان الصعود للخلق الى الله يسمى معراجا و الصعود الى غير الله يسمى صعودا او سيرا فقط. فكانت الملائكة على:{ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} و كانت السماء و الارض على:{ ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} و كانت الجن و الانس على :{ يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا} فكان من الجن و الانس الطائع و العاصي و كانت لهم الجنة للطائع و جهنم للعاصي. و الجن و الانس كانا في البزرخ جنسين مختلفين فجعلهم الله بعد الهبوط جنسين مقرونين بعضهم لبعض عدو. قال الله تعالى:{ قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ}. فأطاع الطائعون على قدر ما فهموه عن الله بمراده منهم من جهة و من جهة اخرى على قدر ما ادركوا من الحقيقة المحمدية التي انطوت في هويتهم. فالملائكة كجنس ادركوا الحض الغزير من الحقيقة المحمدية التي انطوت في ذواتهم لان ذواتهم من نور و نورهم اقرب للنور الاصلي فأطاعوا الله طاعة مطلقة. اما الجن فلبست عليه ناره و صارت له حجابا للنور الاصلي و الانسان غطته طينته و غوته نفسه فغاب عنه نوره, فمنهم من امن و منهم من كفر
الحقيقة الاحمدية
الحقيقة الاحمدية في حرفية الكلمة الشريفة هي “محمد” من “محمد رسول الله”. و تخص فقط رسول الله صلى الله عليه و سلم لانها عين تحققه بالحقيقة المحمدية التي سميت باسمه كما قلنا من قبل. فالحقيقة المحمدية هي القبضة النورانية التي خلق الله منها الخلق كله و هي مطوية في كل شيء من اصغر ذرة الى اكبر نجم, وهي مطوية في كل جنس كان عاقلا ام لا, كان طينيا ام ناريا ام نورانيا ام جمادا ام غيره. و معرفة الله و تعريفه لخلقه يكون بقدر ادراك الخلق للحقيقة المحمدية التي انطوت في ذواتها. و لما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم ادرك الخلق على الاطلاق بحقيقته المحمدية التي اوجد الله في ذاته الطاهرة كان أعبد الخلق لله و اعرفهم على الله. و لما تزوجت الحقيقة المحمدية العالية بالذات المحمدية الطاهرة اجتمعت هويته صلى الله عليه و سلم على الحقيقة الاحمدية. و قبل ظهور الذات المحمدية الطاهرة تنبأ سيدنا عيسى عليه السلام بهذا الامر العظيم و قال: { وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ}. و نحن نستعمل مصطلح الحقيقة الاحمدية فقط اذا عظمت علينا منزلته و علو درجته صلى الله عليه و سلم عند الله, يعني الا في الامور التي تخص رسول الله صلى الله عليه و سلم كأعبد الخلق و أحمد الخلق و أشرف الخلق. اما اذا تكلمنا عن سيدنا عيسى عليه السلام مثلا فنكتفي بالحقيقة المحمدية التي انطوت فيه و في كل شيء, الا ان ادراكه بها عليه السلام كان في اعلي رتبة بعد رسول الله صلى الله عليه و سلم. و الحقيقة الاحمدية لها ايات كثيرة في القران: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}, فالاسراء كما هو معلوم كان بالذات الشريفة الطاهرة و كان سريان بها من مكان {المسجد الحرام} الى مكان {المسجد الاقصى}. و الاية: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ }, هذه الاية الشريفة تتكلم عن معراج رسول الله صلى الله عليه و سلم و هذا كان بعد الاسراء من مكة الى القدس و كان ايضا بذاته الشريفة الطاهرة” {فاوحى الى عبده}. و المعراج بخلاف الاسراء فهو سريان من زمان الى زمان, من زمان المسجد الاقصى انذاك الى زمان سدرة المنتهى او اول نفس لسدرة المنتهى, حيث لم يقدر سيدنا جبريل عليه السلام ان يجاوز لحضة خلقه و نشأته لكي لا ينعدم. اما رسول الله فكان اول الخلق حقيقة فحافضت حقيقته على انعدام ذاته الشريفة الطاهرة و جاوز سدرة المنتهى الى قاب قوسين او ادني. اما سر الاسراء و المعراج فهو ان الاسراء و المعراج كان بالذات الشريفة الطاهرة فصار رسول الله صلى الله عليه و سلم بهذا اول الخلق حقيقة و اولهم ذاتا و خلق الله سيدنا ادم عليه السلام و الخلق على صورته, قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { كنت نبياً وآدم بين الماء والطين} و الكل يعلم ان النبوة لها حقيقة ذاتية و لهذا حرمها الله على دود القبر. فكنت نبيا تعني كنت ذاتا و روحا و ادم بين الماء و الطين. و بهذا اثبت له الله سبحانه و تعالى الافضلية على جميع خلقة و بها اثبت الله الافضلية لسيدنا ادم عليه السلام ليكون الخليفة في الارض لكونه من جنسه. و من اراد ان يفهم هذا التفصيل دون ان يتلبس عليه الامر فعليه ان يعاين المسألة من خارج المكان و الزمان و الا فيستحال عليه الفهم. و رسول الله صلى الله عليه و سلم اخبرنا ان مسافة السماء الاولى 500 عام و لم يقل مثلا 500 سنة ضوئية كما يضن البعض. و بين كل سماء و سماء مسافة 500 عام. و بين السماء السابعة و سدرة المنتهى مثل مسافات السموات كلها, يعني 3500 عام {7 مرات 500 عام} فيكون الجمع 3500 زائد 3500 عام تساوي 7000 عام. و الله خلق الارض و السموات في ستة ايام و في اليوم السابع استوى على العرش باسمه الرحمن: { الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ ۚ الرَّحْمَـٰنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا }. و هذه الايام قدرها بالف سنة مما نعد نحن: { يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} فدلت هذه الايات و معراج رسول صلى الله عليه و سلم على ان الله قدر الزمان بسبعة الف سنة و هذه حقيقة ثابة. و قدر المكان بسبعة سموات و سبعة اراضي و هذه ايضا حقيقة ثابة. فعندما زوج الله المكان و الزمان انتجت حركاتهما و انفعالهما ببعضهما البعض الوقت الذي نعده و الكون الذي نراه. فتوهمنا ان الكون عمره 13 مليار سنة و انه لا يحد مسافة. و كيف لا يكون هذا وهما و المحققون من اهل الله اثبتوا انعدام المكان و الزمان واثبتوا وجود الله سبحانه و تعالى فقط. و لهذا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: { لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر }. اما سر الدهر ففي الحقيقة ليس هناك الا يوم واحد يسمى الاحد و يوم واحد يسمى الاثنين و يوم واحد يسمى الثلاثاء الى اخر الايام و الله يداولها بيننا: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ }, و ليس هناك الا ارضنا هذه و هي ذاتنا و سمائنا هذه و هي حقيقتنا. و الاية: { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } تخص ايضا الذات الشريفة الطاهرة. فالخلق هو نتيجة و ثمرة الذات مع حركة حقيقتها. اذا كان الانسان من شجرة طيبة كانت ذاته طيبة و حقيقته طيبة و تصلح ثماره اي اخلاقه. و اذا كان من شجرة خبيثة كانت ذاته خبيثة و حقيقته خبيثة و تفسد ثماره. اذن الخلق هو نتيجة حركات الذات بما تستمد من علوم حقيقتها و قد يكون طيبا بقربه من الله و معرفته به و قد يكون خبيثا ببعده عن الله و غفلته عنه. و رسول الله صلى الله عليه و سلم اكرمه الله باطهر ذات و باعلى حقيقة. فكان أعبد الخلق لله و اقرب الخلق من الله و اعرف الخلق بالله و بهذا كانت ثماره مع الله و مع خلقه الاخلاق العظيمة. و في ليلة المعراج في قاب قوسين او ادنى اوحى الله الى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم ثلاثة انواع من العلوم: { فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ}, علم الشريعة المحمدية الكاملة المكملة, و علم الحقيقة المحمدية العالية و علم الحقيقة الاحمدية العظيمة. فكان علم الشريعة لعامة الناس و كان علم المحمدية لخاصة الناس و كان علم الاحمدية خاص برسول الله فقط. اللهم صل على الاطهر جسدا و الازكى روحا و الاصدق قلبا و الانور عقلا سيدنا محمد الاكمل خلقا و خلقا و الارقى مقاما عندك صلاة موصوفة بصفاتك و كاملة بكمالك و على اله و صحبه و سلم تسليما
نكتفي الان بهذا الجزء الذي بينا فيه الحقيقتين الكنزية الاحدية و الواحدية و الحقيقتين المحمدية و الاحمدية و و بينا فيه بعض الاسرار التي ذكرنا انفا و التي تشملها الكلمة الشريفة ” لا اله الا الله محمد رسول الله”. اما الكلام في الكلمة الشريفة فلا نهاية له
{ قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا}. فهذا ليس الا جزء بسيط من الفقير الى مولاه للتبرك بالكلمة الشريفة و التذكير بعظمة شأنها و علو قدرها عند الله. اللهم ان اصبت فذاك من جودك و كرمك علي و ان أخطأت فذاك من كثرة جهلي و قلة علمي و حيلتي
و في النهاية بعد الحمد و الشكر لله سبحانه و تعالى, اشكر شيخي و قدوتي و قرة عيني العارف بالله, قطب زمانه و غوث مكانه, الختم المجدد سيدي محمد فوزي الكركري الذي اكرمنا الله به و شرفنا بطلعته فجاد علينا باسراره و علومه و ذوقنا من حقائقه و كان لنا ارحم معلم مع احن اب. اللهم ادم علينا مدده و انفعنا به في الدنيا و الاخرة. اللهم اجمع ذاتنا في ذاته و حقيقتنا في حقيقته الشريفة. اللهم اجعلنا من احسن الفقراء له تبعا و تصديقا و من اكملهم معه ادبا. اللهم ارحمنا و ارحم والدينا و ارحم مشايخنا و ارحم اولي امرنا و ارحم جميع المسلمين و المسلمات الاحياء منهم و الاموات
بقلم الفقير محمد الطيبي
Did you find apk for android? You can find new Free Android Games and apps.