بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي المحقق العارف بالله تعالى سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة : 10 شعبان 1436هـ الموافق ل 29 ماي 2015م
” حضرة الخلود ” المجلس الحادي عشر
مقام الولاية : هاء الألف المقدر
اعلم مسح الله على قلبك بمسحة الأنوار أن سر الجمع وباطنه هو عبارة عن مجموع الأسماء الإلهية، أو بمعنى أخر نقول : هذا السر الهائي هو مجموع الأسماء التي هي متميزة المنابع و المشارب فمشرب السميع مثلا ليس هو مشرب المتكلم وهكذا…وهذه الأسماء أحدية العين من حيث الذات و مختلفة المشارب من حيث التجلي والصفات والعارفون على اختلافهم كل واحد منهم يتطلع نحو الذات من خلال مشرب إسمي معين وهذا الذي يسميه المحققون بمجموع الأحدية ونحن في طريقتنا من حيث التفصيل نسميه بهاء الألف المقدر…مع العلم أنه هناك فرق بين قولنا مجموع الأحدية و أحدية المجموع إذ بين المصطلحين فرق شاسع يدركه ويعرفه أهله وليس مجرد قلب الألفاظ…و إن شاء الله تعالى إذا اطال الله العمر سنقرأ الهاء بأحدية المجموع بحيث تختلف هذه على تلك بسبعين أصلا
وللتوضيح فإن تجلي هاء الألف المقدر فهو بمنزلة من شاهد صور الحقيقة على التفصيل يعني مع علمه بأن كل صورة منها هي راجعة إلى الحقيقة الجامعة ” و إليه يرجع الأمر كله ” إلا أنه ناظر للفرق الثاني من حيث ما يعطيه له استعداده…لذلك في الطريقة ندخل المريد على هاء الاسم لأنها الأقرب إلى استعداده وفيها يتعلم معنى الإطلاق في التقييد وبها بتعلم توحيد الجمع ثم يبدأ السير مرتبة بمرتبة حتى يعرف الفرق بين اسم واسم وصفة و صفة إلى أن يصل إلى الألف المقدر…كل ذلك من باب مجموع الأحدية بحيث يشاهد تنوع كل اسم وخصوصيته ويعود به إلى وحدة الذات كمن هو ناظر إلى صور الناس المختلفة مع علمه بالأصل الجامع لها والذي منه انبثقت وتفرعت وليس ذلك إلا سيدنا آدم عليه السلام قال سيد الناس و أفضلهم صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس، إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، ليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى، ألا هل بلَّغت؟ اللهم فاشهد ) رواه مسلم…وصاحب هذا المشرب لا يستطيع أن يبقى مع الأصل الجامع بسبب استلاء سلطان الفرق الثاني عليه وهو فرق نوراني وليس ظلماني، تماما مثل النور الذي لا لون له لكنه يتخذ لون المشكاة فمن نظر إلى اختلاف الأنوار من حيث ألوانها ورجع بكل لون إلى أصله النوراني حيث لا لون كان في مجموع الأحدية لأنه ينظر إلى الجمع من عين الفرق
أما تجلي أحدية المجموع فهو كمن يرى هذه الصور بحكم عين حقيقة الإنسان ولا يصرف نظره إلا إلى تلك الحقيقة ولا يستطيع ان يميز بين مشرب و مشرب وبين اسم واسم حتى يتقن سبع قراءات…فصاحب هذا المشرب لا يرى من الصور إلا أحديتها التي هي الحقيقة الآدمية فتجد أهل هذا الجموع يتميزون بالتجلي الباطني التي هي مرجع الأسماء المتنوعة التي يتجلى بها وتحقيق الذوق في ذلك يكون في حضرة اللام حيث مجلى الإنسان الكامل
فلا يرى هنالك أحد إلا حقيقة المصطفى صلى الله عليه وسلم ويرى كل شيء من حقيقته فهو العين التي يشرب بها المقربون كما قال تعالى : (عينا يشرب بها المقربون) الآية28 سورة المطففين…المقربون هم الذين يقال في حقهم لا ترجعوهم إلى قصورهم – والمقرب في الطريقة هو الذي رآى اللمحة وحافظ عليها وزيد له في الخير وليس الذي رآها ثم رجع إلى الوراء، فإذا فقدت النور فارجع إلى نفسك وانظر ما الذي فعلته، واعلم أن الخاطر النفسي هو من الكبائر في الروح، كما أن الكرامة إذا الهتك فهي إعاقة للروح – فيبقى المقربون في التجلي الجموعي مع أنهم لم يفارقوا القصور ولا الحور فهم باقون مع أزواجهم من بنات الدنيا وهم أيضا مع كل واحد من أهل التجلي الجمعي فيشهدون الحق في جميع صور الاعتقادات بحكم ما اخذوه من أسرار بخلاف من يُقال فيهم ردوهم إلى قصورهم فهذا دليل على قصورهم في العلم والمشاهدة فهم لما لم يتسع جمع باطنهم لشهود تلك الحقيقة فعندما انكشف لهم الأمر لم يستطيعوا أخذ هذه الحقيقة فيقال لهم ردوهم إلى قصورهم لقصور إدراكهم عن فهم تلك الحقيقة وذلك مثل ما يحدث للمريد في الدنيا بحيث منهم من يصل إلى مقام في المعرفة فتظهر له حقيقة ما وصل إليه فلا يفهم عن الله فيما أعطاه فيفر من الطريق و يعجز عن الإتمام فكأن لسان حاله في الدنيا كلسان مقال أهل الحشر عندما يتجلى لهم ربنا فيقلون له : نعوذ بالله منك !!!…لذلك لا يفوز بالمعرفة إلا أهل الصبر فإذا لم تعرف الحق في الدنيا لن تعرفه في الأخرة ومن فشل في الدنيا فشل في الأخرة…فالمريد الذي عجز عن حمل الحقيقة تخاطبه الحضرة بلسان القدرة : ارجعوهم إلى القصور حيث الصور العدمية
والفرق بين من تاه في أمواج الفرق ولم يلج بحر الجمع سيظهر يوم القيامة، ويظهر لكل شخص مشربه ، أما أهل التجلي الجموعي الاسمائي فهم أهل الكمال الذين فازوا بشهود ذي الجمال والجلال وقد ذكر الترمذي عن سعيد بن المسيب أنه لقى أبا هريرة فقال أبو هريرة: ( أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة, فقال سعيد أفيها سوق؟ قال: نعم، أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة إذا دخلوها نزلوا فيها بفضل أعمالهم, ثم يؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا, فيزورون ربهم, ويبرز لهم عرشه, ويتبدى لهم في روضة من رياض الجنة, فتوضع لهم منابر من نور, ومنابر من اللؤلؤ, ومنابر من ياقوت, ومنابر من زبرجد, ومنابر من ذهب, ومنابر من فضة, ويجلس أدناهم وما فيهم من دني على كثبان المسك والكافور, ما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً, قال أبو هريرة: قلت يا رسول الله وهل نرى ربنا؟ قال: نعم, هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر؟ قلنا: لا، قال: كذلك لا تتمارون في رؤية ربكم, ولا يبقى في ذلك المجلس رجل (إلا) حاضره الله محاضرة, حتى يقول للرجل فيهم: يا فلان بن فلان أتذكر يوم قلت كذا وكذا, فيذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول: يا رب أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلى فبسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه. (فبينا) هم على ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم, فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط, ويقول ربنا: قوموا إلى ما أعددت لكم من الكرامة فخذوا ما (اشتهيتم), فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة, (فيه) ما لم تنظر العيون إلى مثله, ولم تسمع الآذان, ولم يخطر على القلوب, فيحمل لنا ما اشتهينا, ليس يباع فيها ولا يشترى, وفي ذلك السوق يلقى أهل الجنة بعضهم بعضاً قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة فيلقى من هو دونه وما فيهم دني فيروعه ما يرى عليه من اللباس (فما) ينقضي آخر حديثه (حتى) يتخيل (عليه) ما هو أحسن منه, وذلك أنه لا ينبغي لأحد أن يحزن فيها, ثم ننصرف إلى منازلنا, فتتلقانا أزواجنا فيقلن: مرحباً وأهلاً لقد جئت وإن (لك) من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه, فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار جل جلاله (ويحق لنا) أن ننقلب ما انقلبنا)
واعلم انه وان كان التجلي الجموعي واحدا الا انه يظهر لأهل المراتب على حسب مراتبهم لذلك اختلفت المنابر النورانية الى لؤلؤ أو فضة…وفي الحديث من رحمة الله وسعة كرمه ما لا يصفه الواصفون بحيث لو كان التجلي من احدية الجموع لما رآه أحد ولكن يتجلى عليهم بمجموع الأحدية…وفي دار التكليف لابد للعباد من سائق يسوق النفوس إلى حضرة القدوس وليس ذلك إلا السير بهمة ذات الشيخ التي هي طلسم كوثر الفتح التي يعرج بها إلى ميدان معرفة الأسماء بحيث يظهر سر قوله تعالى : ( وعلم آدم الأسماء كلها )
شكرا على المساعدة