بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة : 03 شعبان 1436 هـ الموافق ل22 ماي 2015م
حضرة الخلود ” المجلس العاشر ”
مقام الولاية : الشروق الأسمائي و الكسوف الظلماني
إن حقائق الأسماء جعلها الله تعالى مجبولة في فطرة الإنسان من خلال النفخة الروحية حيث تتوارد عليه الأسماء وهو لا زال في قرار مكين فتختلف عليه الأسماء باختلاف الفطرة المقدرة على كل عبد من سعادة وشقاء في الأزل…لذلك تجد تجليات الأسماء وتأثيراتها تتوارد على الإنسان فتظهر فيه بعضها وتختفي الأخرى فيميل إلى الأسماء التي تجلت فيه و أثرت فيه…أما التنوع الموجود في العالم فهو فطرة الله تعالى كما قال تعالى : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) الرعد الآية 11…فلا يستطيع الإنسان تغيير كل ما حوله إلا إذا تغيرت في باطنه الحقائق المنفوخة فيه
لذلك فحكمة الله عظيمة في خلقه، فلا يسلب النعم إلا بسوء الأدب فمثلا النعم الظاهرية يسلبها بترك الطاعة الظاهرية وكذلك النعم الباطنية تسلب بترك المراقبة و المشاهدة والمجاهدة…فالله عادل يعطي على قدر أدب المرء معه، ولكل مقام حقوق و أداب…فمن أخل بشيء من الآداب يجب عليه أن يبادر بالتوبة ومن تأخر عنه السلب وهو مقيم في أرض الإساءة فلا يتخيل انه من الفائزين، و إنما الله تعالى يمهل ولا يهمل كل ذلك لعلك ترجع وتتوب فإذا تمادى العبد في طغيانه صارت العقوبة مضاعفة….ولاشك أن الفرق بين عقوبة الأخرة و عقوبة الدنيا هو فرق شاسع…لذلك على المريد أن يجتهد كي يبقى في الأنوار وتحت كنف الأخيار كما في الحكم : « إن الله لا يغير ما في القلوب من أنوار الشهود والعيان ، حتى يغيروا ما بأنفسهم من حسن الأدب بسوء الأدب
والإنسان الذي يغير ما في قلبه لا يعتقد أنه سيبقى مثل الأول، فمن حافظ عليه كان من أهل الإخلاص، وفُتح له باب الخواص، و إن لم يحافظ عليه فيجب عليه أن يتوب من سوء الأدب قبل أن يرجع النور إلى أصله…وسوء الأدب ليس فقط محصورا في الحركات و إنما خطره أشد في الخطرات بل إن الجوارح ترجمان السرائر
لذلك المجاهدة تبدأ من داخلك في ضبط الأفكار بميزان المختار صلى الله عليه وسلم كي تتولد منها الموافقات…حيث قد يصل الولي إلى مقام يُخلع عليه فيه خلعة الحفظ والرعاية وكسوة التوفيق و العناية، حتى أنه قد يسمع واردات الاختبار : أن افعل ما شئت فقد غفرت لك…مثل الخصوصية التي اختص الحق بها أهل بدر رضي الله عنهم جميعا، لكنه لن يُمتحن هذا الامتحان حتى يكون قد تخلى عن المعصية بشكل كامل، وتحلى بالطاعة في الشهيق والزفير أحرى دون ذلك…ويلج مشهد قوله تعالى : ( كل من عند الله ) فلن يطاوعه جسده في ارتكاب الذنوب بحفظ الله تعالى له
وقد يغير الله تعالى قلب عبد من عباده اختبارا له، فيسلبه المعاملة أو المعرفة فهو الذي يقلب القلوب كيف يشاء…فإن لم يضطرب العبد ولم يفزع بقي في ظلمات الأغيار فنسي الله فأنساه نفسه (وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له ) نسأل الله السلامة بمنه وكرمه
والله تعالى هو الذي يظهر لمن يشاء من عباده برق المشاهدة حتى يستشرف على الحضرة القدوسية…فمن عظم براق العناية دخلها، وأما من نظر إلى ما يرد عليه من مولاه على أنها أضواء فهي علامة السلب الذي يؤدي إلى الندم
أما من استشرف على الحضرة القدوسية يرسل له الله تعالى أنواره تدريجيا لئلا يغلبه الحال وحتى يستأنس بها شيئا فشيئا حتى يصل إلى التمكين…فلا تفارقه الأنوار ليل نهار سواء أغمض عينه أم فتحها…ولا تزال تتوارد عليه بروق الأنوار حتى تنجلي له أنوار المواجهة وهي تلك التي تواجهك ببروقها فتصعقك وتذهلك عن الدون…وكل ما سوى الله دون
و اعلم أن أنوار المواجهة هي التي تنشئ سحاب الواردات و الغيوم المؤذنة بهطول المواهب من سماء التجليات…ألا ترى إلى بحيرا الراهب كيف انجمع بكليته نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما رآى الغمامة تظله…فالغمام ساتر للروح لذلك فهذه السحابة الناشئة عن أنوار المواجهة مملوءة بالعلوم والأسرار حيث ترسل الصواعق لتصعق منك الحس…فينشق بها صدر من شملته العناية الإلهية أما أهل الإنكار فهم في مقام سفلي، ينكرون هذه الأنوار فيبقون في بعد وهم لا يشعرون..في طمس وهم لا يدركون
لذلك كانت عبادة حسن الظن بالله تعالى موجبة لتوالي واردات الأنوار فقد جاء عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : يقول الله تعالى : ( أنا عند ظن عبدي بي ، وأنا معه إذا ذكرني ، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم ، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا ، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ) رواه البخاري ومسلم
فحسن الظن علامته معرفة الله تعالى اما إذا لم تحسن الظن بربك فذلك علامة على جهلك وطمسك وإن ارتكبت الكبائر أهون عند الله تعالى من أن تقول على الله ما ليس لك به علم…فمن لم يكن في قلبه نور وهو يتكلم عن حضرة الأنوار من الأحسن أن لا يتكلم وهذا هو سوء الأدب بعينه…أما إن وجدت في قلبك نور فحدث أنذاك بنعمة الله عليك…وان شئت أن ينفذ كلامك القلوب فاستحضر القبضة النورانية وغص فيها عندئذ تكلم
أما من كان قلبه ظلمة حالكة قد سودته الذنوب و الأغيار ثم تكلم في الأذواق فانه عندئذ يبعد الناس عن حضرة الحق وينفر الناس عن طريق الحق فعليه وزر كل من احتجب بقوله عن نور الحقيقة…إذ أن كلامه يؤدي إلى سوء الظن بطريق الله تعالى لذلك فليخشى المرء على نفسه فقد قال تعالى في كل من يسيئ الظن به : ( ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ) الفتح الآية 6…فدائرة السوء هي الكسوف الظلماني فهو نتيجة من أساء ظنه برب العالمين وذلك عبر إساءة الظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو الأولياء
من أجل ذلك نقول ان حسن الظن بالله تعالى ثمنه غالي، ومبدأ ثمنه الجنة أما سوء الظن فهو جهل محض…فالمخلوق مع المخلوق إذا أحسن الظن بعضهم ببعض قد يكون احدهم على حسن ظن الاخر وقد لا يكون أما رب العالمين فإن أحسنت ظنك به ستجده دائما أبدا سرمدا عند حسن ظنك به…فمن أحسن الظن بالله و أنبيائه و أوليائه بل وبجميع خلقه فقد تخلق بأخلاق الرحمن
أما من كان في قلبه حقد وكراهية أو ضغينة فكيف له أن يلج بجمل نفسه سم خياط نقطة العلم التي لا تنفتح إلا بالتعظيم…وهذه النقطة هي سيدنا علي كرم الله وجهه فمن لم يرى جمال الحق في أصغر شيئ أو لم يستوعب ذلك فليتفكر دائما أنه سيرى ما أحدثه في حياته كلها منذ ولادته إلا يوم وفاته في صحيفة واحدة… لذلك عليك ان تتدرب على الوسع في الضيق وعلى شهود الكبير في الصغير