سمعت شيخي وقرة عيني وولي نعمتي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه يقول
كيف يتحد من له الوجود مع من لا وجود له…. أم كيف يحل من ليس كمثله شيئ في الشيئ
من إعتقد الحلول والاتحاد مع الخالق جل جلاله فقد كفر…وإني أتعجب من أولئك الذين يتهمون أهل الله بهذه العقيدة الكفرية بغير دليل ولاحجة… بل بمجرد الهوى والظن…والظن لا يغني من الحق شيئا…ثم إني أسأل ذلك الذي يعتقد الإستواء الذاتي على العرش …أليس العرش مخلوقا ؟ أليس ذلك إتحادا وحلولا؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا…
والله ما تعلمنا التوحيد الخالص إلا من أهل الله…توحيد أهل الله ليس فيه تشبيه ولا تكييف ولا أين ولاحلول ولا إتحاد…إنه تنزيه مطلق وحيرة دائمة منشؤها العظمة …وليس الإضطراب النفسي والفكري …بل هي طمأنينة تصحبها حيرة….ويقين تام يقارنه عجز عن الأدراك
فكم كنا نظن أننا ننزه الحق جل جلاله حتى أكرمنا الله بصحبة أهل الكمال…فأخرجونا من الشرك الخفي والجلي معا…فعلمونا ان تنزيهنا العقلي تشبيه…
إن الشرك ظلمة …ولا يزيل ظلمته من القلب إلا نور الايمان …ولا ينال نور الايمان إلا بصحبة أهل النور …لأن نور الايمان يؤخذ بالسند المتصل من قلب إلى قلب إلى أفضل القلوب وأتقاها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام…فالتوحيد مراتب وكل مرتبة تؤخذ من أهلها…هناك توحيد خبري محله العقل وأئمته الأشاعرة والماتريدية …ولكن أين ذوق التوحيد ونوره وحقيقته ؟
فالأشعري يعطيك ميزان تحفظ به عقيدتك من الزيغ حتى لا تهلك…لكنه لا يستطيع أن يعطيك نور التوحيد …لا يستطيع أن يعلمك ذوق التوحيد…لا يستطيع أن يمحي صور الكائنات من قلبك …حتى لا تشهد إلا الله
لا يستطيع أن يزيل عنك الأوهام والشكوك والظنون والأقيسة الفاسدة التي تدور في فكرك وعقلك …العقل مهما تفكر وبحث لا يصل إلا لمخلوق مثله…عقلي وعقلك مناطه الشهادة …والحق هو الغيب الكلي المطلق…فكيف لك أن تعرف الغيب بالشهادة ؟ أم كيف يقاس الغائب على الشاهد ؟
أترك عقلك في الملك …وإنطلق بقلبك إلى الملكوت…فالحق غيب والقلب غيب …ولا يعرف الغيب إلا الغيب كما قال سلطان العلماء…ولن يفتح لك الملكوت الأعلى حتى تولد مرة أخرى…ولن تولد مرة ثانية…حتى تجد والدك الروحي…هنالك فقط تنتقل من عوالم الحس إلى أنوار القدس …فتحصل على حقيقة التوحيد ونوره وذوقه…فتعرف الحق كما أراد الحق ان يعرفك به…فتجد نفسك تؤمن بالقرآن كله …كما أراد لك ربك …من غيرتحريف الغالين ولا إنتحال المبطلين و لا تأويل الجاهلين
إن توحيد أهل الله هو رؤية الله قبل كل شيء…وبعد كل شيئ…ومع كل شيئ…وهو الأول الأخر الظاهر الباطن…روى البخاري مختصرا في صحيحه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:كان الله ولم يكن شيء غيره…قال ابن حجر : وفي رواية غير البخاري : ولم يكن شيء معه.
قال سيدي أبو مدين رضي الله عنه
إن كنت مرتاداً بلوغ كمـــــــــــال
فالكل دون الله إن حققتـــــــــــــه
عدمٌ على التفصيل والإجمـــــــال
واعلم بأنك والعوالم كلـــــــــــها
لولاه في محوٍ وفي إضمـــــــحلال
من لا وجود لـــــذاته من ذاتــــه
فوجوده لولاه عيْنُ محـــــــــــال
فالعارفون فنوا ولمّا يشــــــهدوا
شيئاً سوى المتكبر المتعــــــــال
ورأوْا سواه على الحقيقة هالكــاً
في الحال والماضي والإستقبــال
فالمح بعقلك او بطرفك هل تـرى
شـيئاً سوى فعل من الافعـــــــال
وانـظر الى علو الوجود وســفله
نظراً تؤيده بالإســـــــــــــــتدلال
تجد الجميع يشيرُ نحو جــــلاله
بلــسان حال أو لسان مقــــــــــال
هــو ممسك الاشياء من عُلوٍ الى
سُـفلٍ ومُبـدعها بغير مثــــــــال