بسم الله الرحمن الرحيم
طريق الولاية
الولاية هي نصرة جنود النور على جنود الظلام فيك…و لكي تكون وليا عليك نصرة الحق على ظلمة النفس والشيطان…فالمعاصي كلها ظلمة في القلب…والطاعات كلها نور في القلب…لذلك ورد في احاديث كثيرة من عمل كذا أو ترك كذا نكت في قلبه نكتة سوداء… ومن عمل الخير نكت في قلبه نكتبة بيضاء
ولقد ورد عن سيدنا علي كرم الله وجهه قوله
الإيمان يبدأ لمظة بيضاء في القلب ، كلما ازداد الإيمان ازدادت بياضا حتى يبيض القلب كله ، وإن النفاق يبدأ لمظة سوداء في القلب ، فكلما ازداد النفاق ازدادت حتى يسود
والمريد عندما يجد شيخ التربية فيقذف في قلبه النور المحمدي…عليه ان يتعاهده بالذكر حتى يملأ كيانه كله…فعلى الشيخ الإمداد وعلى المريد الإستعداد…وعلى الشيخ الإلقاء وعلى المريد التلقي…فالشيخ الحق لا يحرم أحدا أتاه و لو بالتجريب…فالشيخ يقوم بدوره وعلى المريد ان يقوم يدوره حتى لا يهب النور من قلبه ويخسر خسارة الأبد
فالشيخ يغرس في القلوب هذه الحبة الزيتونية النورية الموقدة من الشجرة المباركة و على المريد تربيتها بالطاعات حتى تكبر وتؤتي ثمارها في كل وقت وحين…أما إذا قارف معصية فسيرى أن النور قد نقص من قلبه…وهذا كله مشاهد ومجرب…حتى تعلم أن طريق الحق هي طريق النور
و النور إذا سكن القلب فإنه يثمر مقامات العبودية كلها…وبه تعرف أمراض نفسك فالرياء الذي هو أخْفى من دبيبِ النملةِ السوداءِ على الصخرةِ الصمَّاءِ في الليلةِ الظلماءِ لا يُعرف إلا بتسليط نور الإيمان في أرض القلوب حتى تبصره وتستأصله منها…وهكذا تفعل مع كل امراض القلوب…فالنور يفضح الأغيار و يحرق كل ظلمة وصل إليها…وهذا نوع جليل من الكشف الذي يثمره النور حتى تتعرف على عيوبك وتصلحها وتتوجه لحضرة الرب تعالى
فالكشف نوعان : كوني وشرعي….وكلاهما يحصل للعارفين غير أن حقيقة السير إلى الله عز وجل هي حصول الكشف الشرعي الذي هو ميراث النبوة
والذي من لم يصل إليه لا يعد عارفا بالله تعالى….إذ معرفة أهل الله مبنية على الذوق الصحيح الناشئ عن الإتباع الصحيح
والنور إذا سكن القلب فإنه يورث هذا الكشف الشرعي ولابد حيث يكشف للعبد عن أسرار الربوبية الله نور السموات والأرض
ويكشف لك عن جمال حبيبك صلى الله عليه وسلم وسراجا منيرا
ويكشف لك عن ثمرة العبادات…الصلاة نور الصيام ضياء الصبر ضياء
ويكشف لك عن حقيقة الدين { أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه }…فالإسلام هنا الدين و ليس المرتبة
ويكشف لك عن عالم الملكوت…فترى الأنبياء والمرسلين والأولياء والملائكة والجنة والنار…حتى يحصل لك اليقين الكامل وتعرف الحقائق على ماهي عليه لا كما تتوهمها بفكرك المقيد بالكون
ومن الأثار الدالة على هذا المورد ما ورد عن ثابت عن أنس أن معاذ دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متكئ فقال له : كيف أصبحت يا معاذ ؟ قال : أصبحت بالله مؤمنا حقا قال إن لكل قول مصداقا ولكل حق حقيقة فما مصداق ما تقول ؟ قال : يا نبي الله ما أصبحت صباحا قط الا ظننت اني لا امسي وما أمسيت مساء قط الا ظننت أنى لا أصبح ولا خطوت خطوة إلا ظننت أنى لا أتبعها أخرى وكأنى أنظر إلى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها معها نبيها وأوثانها التي كانت تعبد من دون الله وكأنى أنظر إلى عقوبة أهل النار وثواب أهل الجنة قال عرفت فالزم
وعن أنس أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لشاب من الأنصار كيف أصبحت يا حارثة ؟ قال : أصبحت مؤمنا بالله حقا قال انظر ما تقول فان لكل قول حقيقة قال يا رسول الله عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري وكأني بعرش ربي بارزا وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها وإلى أهل النار يتعاوون فيها قال أبصرت فالزم عبد نور الله الإيمان )وفي رواية أصبت فالزم مؤمن نور الله قلبه
فهذه بعض مشاهدات الصحابة رضوان الله عليهم وهناك الكثير منها…فهم لكمال تحققهم قدس الله أسرارهم إستخدموا كاف الإحسان ( كأنك تراه ) للتعبير عن مشاهداتهم…كأني كأني..و أصل هذه المشاهد ومنشؤها وجود النور في القلب كما قال عليه الصلاة والسلام : أصبت فالزم مؤمن نور الله قلبه
وهذا النور هو نور المصطفى صلى الله عليه وسلم لا غير…علمه من علمه وجهله من جهله…يؤخذ بالسند المتصل لحضرته الشريفة عن ورثته من العارفين بالله تعالى…يقول سيدي محمد الحراق رضي الله عنه
ولكن إلى انواره الكل ينتهي *** ففيه حقائق الكرام ترقت
عليه صلاة الله ثم سلامه *** مع الأل والأصحاب في كل لحظة
ويقول أيضا
فمن حفه نور الرسول يخوض من *** بحار شهود الذات في كل لجة
وهذا أغلى وأسنى وأرقى ما يثمره النور في القلوب…أن يُرفع بينك وبين الحبيب الستور…وإلى هذا تتطاولت أعناق المحبين وبه تغنوا في قصائدهم وهو غاية السير إلى الله وأشرف مقاصده…إذ به تكون متحققا بالعبودية ومتأدبا مع الربوبية…والله أعلم
بقلم الفقير عبد الحفيظ الرباطي