بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الإمام الرباني الشيخ المربي سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة : 2 ذو القعدة 1435هـ الموافق ل 29 غشت 2014م
الحضرة الموساوية : الغيب و الشهادة
لازالت الحضرة الموسوية تظلنا بعلومها وتنثر علينا أسرارها…وفي الحقيقة فإن دراسة حضرات الأنبياء لا يتم للسالك حتى يدرسها ذوقا من خلال مراتب الإسم الجامع كلها…ولا يستوفي لها حقا
و بما أننا وصلنا في القراءة الهائية إلى مساس الألف فإننا سنتكلم عن هذه المرتبة من خلال الحضرة الموسوية حول مقام التعبير…فنقول : إن مقام الألف المقدر بالقراءة الأولى لهاء الهوية ينقسم إلى نصف علوي للرسالة ونصفه الأخر تحته للنبوة ويبقى البرزخ للولاية كما في هذا الرسم التوضيحي
فالسالك يدخل على المعارف في قراءة الإسم على نعت الشهود بكنه ( إقرأ باسم ربك ) من باب الهاء حيث يكاشف بسر الهوية…ثم يرتقي حتى تظهر له المركزية المحمدية فيتلاشى فيها حتى تتجلى له لام المعرفة فيتشرف بسجدة الروح بعدما تحقق بسجدة القلب في السر الأول والثاني فيتبرأ من حوله وقوته ذوقا وحالا ولا يرى في نفسه إلا النقص…فيعرج إلى مقام الوصل حيث يقرأ ذلك الفراغ بين لام المعرفة والألف الفرداني في اسم الجلالة الله وذلك عندما تتوارد عليه جمالية الأسماء الحسنى و تُدنيه من طلاسمها…ثم يُزج به في مقام الفصل فلا اسم يتعلق به ولا إشارة ولا صفة فيبحث في عين الفصل ليَظهر له نسيم الوصل فيتعلق به حتى يدخل على مساس الألف حيث برزخ الولاية…فيبدأ السير فيها، أما قبل ذلك فكان يحارب ظلمة نفسه و يمحق صور الكائنات من قلبه و يتعرف على مكائد إبليس حتى يتجنبها…وفي هذا المقام مقام الألف المقدر يصل العارف إلى سر التعبير فتكون له القدرة على التعبير عن المعارف العلوية بلسان الظاهر المفهوم لكل أحد…أما قبل ذلك يكون تعبيره يتقلب بين حالتين : إما صواب أو خطأ
و السالك قبل تمكنه من التعبير عندما يتكلم عن ما هو غيبي يبقى ذلك في حكم المستمع غيبا لأنه لم يطلع على ما اطلع عليه السالك، ولأن السالك لا يملك حق التعبير…لكن عندما يصل الى مساس الألف يتعلم ذلك من تنزل رقائق الأنبياء على قلبه، لأن ( العلماء ورثة الأنبياء ) فالعلماء بالله هم أوعية العلم النبوي، فيستقيم لسانهم للتبليغ عنهم ببركة ما وقر في قلوبهم من معنى الإرث الحاصل لهم منهم لأن الذي له القدرة على إظهار العلوم الخفية في الصور الحسية هم الأنبياء عليهم السلام، فهم يأتون بعلوم علوية وينزلونها إلى الخلق، فيتكلمون بلسان الظاهر يفهمه كل أحد. وكل واحد يأخذ منه على حسب قدره ومقامه وحاله وذوقه…قال تعالى في حكم لسان الظاهر المفهوم لكل أحد الذي يتكلم به الأنبياء :( وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ) فكان الصحابة رضي الله عنهم يفهمون المُراد من الكلام لأنه بلسانهم، ولكن يبقى التفاوت في إستعدادات قلوبهم التي تختلف من صحابي لأخر حسب ما وقر في قلبهم من نور المعرفة بالله تعالى…لذلك قال صلى الله عليه وسلم لهم بحكم ولايتهم : (ألا فليبلغ الشاهد منكم الغائب ) فلسان الظاهر واحد، لكن هناك من يفهم منه تبليغ ما سمعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم، للذين لم يسمعوه منه، وهناك من يفهم هذا ويزيد عليه بمعنى أخر فيكون معنى الشاهد عنده بلسان الخواص معناه: يا أيها الذين خرقوا الفصل والوصل و اجتمعوا على ألف محمدي فكانوا شاهدين لما هو غائب عن الغير، فبلغوه لهم حتى يلتحقوا بأهل الشهود
فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم هم المراكز، هم النجم الوارث لعلوم شمس النبوة، كانوا أصحاب علم وفهم…استنبطوا من الألف المقدر ما استنبطوا فبلغوا الغائب…فكذلك كل من وصل إلى ذلك المقام من أولياء أمته وأٌذن له بالتعبير عما انكشف له يكون هذا الحديث النبوي شاملا له
ولقد كان الرسل عليهم السلام يراعون عند إلقاء الخطاب مقام العامة حتى يفهموا عنهم، لعلمهم أن الخاصة يفهمون عنهم بأقل حركة أو إشارة…ألم ترى أنه صلى الله عليه وسلم كان يُقسم الغنائم حسب ما وقر في قلوب الصحابة من العلم و المعرفة والمحبة والتسليم، فيعطي للعامة ويترك الخاصة…فتجده يعطي لهم بقصد تأليف قلوبهم وخوفا عليهم أن يُكبوا في النار إذا أساؤوا الأدب مع الحضرة النبوية سواء في الباطن أو الظاهر، كالذي قال للحبيب صلى الله عليه وسلم هذه قسمة ما أريد بها وجه الله نسأل الله السلامة… فكان إعطاؤه عليه السلام تألفا لهم بالإسلام ، ولذا كان يعطي الصادقين من المهاجرين والأنصار أقل مما يعطي لغيرهم…فكذلك قسمة العلم يتكلم بكلام مفهوم لكل أحد، لكن كل واحد يتنزل في قلبه بعلوم غزيرة، لذلك تفاوت الصحابة في العلم و الفهم رضوان الله عليهم…وهنا تحصل الحيرة والتعجب فيكف لجملة قليلة الكلمات والعبارات سمعها من سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم يتذوق منها كل هذه العلوم الخفية المطوية فيها…لذلك ورد عن الصحابة أنهم كانوا يتذوقون من كل حركة و كلام و إشارة صادرة من الحضرة النبوية المطهرة، بل ذهبوا أبعد من ذلك…فتجد سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه يدور بناقته مرتين في مكان كانت ناقة الحبيب قد فعلت ذلك…وتجد المصطفى صلى الله عليه وسلم يصلي فيمد يده الشريفة نحو الأمام ليأخذ عنقود عنب…فأبحثوا عن الصحابي الذي سأله ذلك حتى مد يده عليه السلام إن كان لكم نور
لذا نقول ومن خلال ما سبق
حتى في الطريق هناك من يبسط عليه الحق في الرزق الظاهري فيفرح به و إذا نقص اغتم، و تجد الآخر يسيئ الأدب باطنا عندما يرى الدنيا قد أقبلت على غيره و أدبرت عنه…لذا نقول لكم أن الطريق لإصلاح البواطن، والطريقة تقودك إلى الرزق الذي لا يفنى…فلا تلتفت إلى غير مقصودك ومرادك وحتى في الطريق، الشيخ المربي يتكلم بكلام واحد في ملأ واحد، والكل يأخذ منه على حسب قدره ونورانيته…فالشيخ قبل أن يتكلم يكون قد أنزل معاني كلامه في قلوب مريديه عبر تجليات ومشاهدات و أفعال و أحكام فيتلقاها من كان ذا إستعداد قوي وحضور قوي وحتى في الطريق لا يكون العارف عارفا حتى يفهم المعاني الغالية من كل حركة نبوية أو إشارة مصطفوية…و لكن لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم اتصل قلبه بقلب شيخه فتجلت في مرآة قلبه ما نُقش في قلب شيخه