بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي الكبير سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
الحضرة الموسوية تتمة
أي سادتي، حضرات الانبياء ما هي إلا لمحة من ذوق المصطفى صلى الله عليه وسلم…أو قل ما هي إلا لون من ألوانه المتنزلة أما حضرته الجامعة صلى الله عليه وسلم فلا لون لها…أو قل حضراتهم ما هي إلا كلمة من كلماته المتدفقة من بحار أوتيت جوامع الكلم فكانت بذلك الحضرة الموسوية وجها من الأوجه المحمدية ونهرا من أنهره تصب في بحره العظيم
وتعتبر الحضرة الموسوية من الحضرات القريبة من الحضرة المحمدية بعد الحضرة العيسوية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أنا أولى الناس بابن مريم ..)…فالحضرة الموسوية مرآة صافية تنعكس فيها الانوار المحمدية بكثرة و قوة، فكانت حضرته كجبل الطور…لذلك تنوعت علومها وأسرارها فكانت مجلى الوصل والفصل…ومظهر الضدين
وصاحب الذوق دائما يعيش في عوالم الغيبيات و أنوار الإيمانيات، وهذه الحضرات تُفهم بذوقية السر على بساط الوجد في حضرة القلب…ففي أي مقام كنت تتذوق من هذه الحضرات…سواء كنت في مقام الأنوار أو الأسرار…فعلى قدر ذوقك من طريق الله تعالى على قدر فهمك لكتاب الله تعالى…والعارف من لا شيئ يستخرج كل شيئ …ومن أخذ وفهم ليس كمن أخذ ولم يفهم والقاعدة الأساسية التي نتعلمها من محور هذا الدرس أنه : ( على قدر الإبتلاء يكون الإجتباء )…ويشهد لها قوله صلى الله عليه وسلم إن من أشد الناس بلاء الأنبياء ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم
وسيدنا موسى عليه السلام كان الإبتلاء حاضرا في حياته بحيث إنه أول ما إبتلى الله به موسى عليه السلام هو قتله للقبطي، ولقد كان هذا القتل إلهاما من الحق لذا لم يندم على ذلك فهو صاحب نامس إلهي تحرك فيه حتى يظهر أمر الحق…رغم أنه لم يكن يعلم أن ما حصل له إلهاما، لذلك نسب الخطأ إلى إبليس كما ذكر الحق على لسانه ( هذا من عمل الشيطان ) وهذا هو الموافق لعصمته عليه السلام
والسالك في سيره إلى الله تعالى عندما يتجلى له نور الحبيب ويرجع إلى ما كان يفعله في الماضي سيعرف كيف يفرق بين أعماله التي كانت ناشئة عن إلهام، وبين التي خرجت عن النفس…وسيدنا موسى عليه السلام حتى يعلمنا ذلك، جمعه الحق بسيدنا الخضر عليه السلام وهو أبو الاولياء الذي شرب من ماء الحياة…حيث استشعر أن قتله للقبطي كان إلهاما ربانيا وذلك عندما أعاد سيدنا الخضر عليه السلام الاحداث التي وقعت لسيدنا موسى عليه السلام في ماضيه حتى يراها بعينيه…في البداية انكر على الخضر قتله للغلام حتى اخبره أنه إلهام من الحق قال تعالى : (ما فعلته عن أمري) ليتذكر قتله للقبطي
وهنا فائدة تربوية نتعلمها من هذه القصة المباركة وذلك أن المريد عندما يجد شيخ التربية ينبغي أن يكون مستحضرا لماضيه حلوه ومره، حتى لا يدخله العجب عندما تنكشف له لطائف الحق بحيث يكون من السهل ان يتلاعب به إبليس في هذه المرحلة التي ينتقل فيها من الظلمة إلى النور فيظن انه شيء أو بلغ المقصود وهو لا زال في بدايته…ولكن إذا كان مستحضرا لما فعل في ماضيه من معاصي ستلجمه عن العجب والكبر…حتى إذا قوي عوده و عظُم نوره أصبح كالأجنبي في كل حركاته يعيش مع الحق بالحق
ولقد كان سيدنا موسى عليه السلام هو الوحيد من يرى الخضر عليه السلام بالتالي لم يرى أحد غيره قتل الخضر للغلام…فكأن الخضر أخبر موسى عليهما السلام بعصمته عن طريق إشارة…كما أن خرقه للسفينة كان في مقابل التابوت الذي ألقي فيه موسى عليه السلام ثم ألقي في البحر فهي أيضا إعادة للماضي…وحتى يذكره بذلك ويعلمنا ان ما يبدوا في الظاهر هلاك فهو نجاة في الباطن فإلقاء موسى في البحر ظاهره هلاك وباطنه نجاة وخرق السفينة ظاهره هلاك وباطنه نجاة من الملك الذي يأخذ كل سفينة غصبا
ثم إن قصة سيدنا موسى مع أمه تظهر أنها كانت تسلك وفق وحي إلهامي بدون ان تستشعر ذلك…فالمرء قد تكون اعماله على وفق إلهام رباني وهو لا يدري حتى يُفتح عليه فيعلم أمره…فأم موسى عندما ألقت إبنها في اليم كأنها كانت تقول له : إن كنت أنت أنت صاحب شأن العظيم فسينجيك الله و إن كنت غيره فسيان قتلك فرعون أو البحر…ومن باب الإشارة نتعلم أن المريد لا ينفعه إلا الدخول على الرب جل جلاله بكلياته طالبا الله لله تعالى …أما إن بقي متشككا او متحيرا او وضع رجلا وترك اخرى فربما طرد من حيث يظن انه مقبول نسأل الله السلامة…فأم موسى لم تشكك ولم تتحير ولم تسوف و إنما اخذت إبنها بكلياته وألقته في رحمت الله…فإفهم
فهي جمعت ضدين خوفها على موسى عليه السلام ورجاؤها في الحق أن يرده إليها…وانت أيها المريد خف على قلبك من ظلمة الأغيار و ألقي به في عفو الله عسى أن يرده إليك مملوءا بالأنوار ويؤهلك لحمل الأسرار…وتذكر أن أول ما خلق الله بعد السكون الحركة وبالحركة نتج الكون كله…فتحرك أيها المريد على حياتك لعلك تنتج محبة فينفتح لك باب الشوق فتصير حيا تعشق الموت فتعلم حكمة كل شيء في حياتك…فأم موسى عليه السلام لما صدقت ربها أعاد لها إبنها فعلمت أنها فعلت ما فعلت عن طريق وحي إلهام كما ان سيدنا موسى عليه السلام تعلم ذلك بلقائه بالخضر عليه السلام…فأبحث عن خضر زمانك حتى يجمع لك ماضيك وحاضرك ومستقبلك ويخرجك من كل ذلك حيث اللازمان واللامكان