بسم الله الرحمن الرحيم
مجالس الشيخ المربي الكبير سيدي محمد فوزي الكركري رضي الله عنه
مجلس الجمعة : 15 غشت 2014م
الحضرة الموسوية : سريان الحب
اِعلم مريد الحق نور الله قلبك أن العالم العدمي ظهر بالمحبة فالعالم كان في سكون عدمي فنظر إليه الحق نظرة حب فتحرك السكون حركة محبة بحكم ( فأحببت أن أعرف ) فلازال السكون يتحرك والكون في إتساع…فما تحرك متحرك في هذا الوجود إلا بالمحبة ولأجلها… فالصخرة تتدحرج من أعلى الجبل إلى أسفله محبة والمطر ينزل من السماء نحو الأرض محبة وهكذا…و أصل الخلق من المحبة القديمة الأزلية فلو لم تسري فينا محبته ماكان لنا ظهور في عالم الإمكان…فالعالم كان ظاهرا للحق تعالى من الأزل فأظهره بالمحبة القديمة الأزلية وليس كما يقول الفلاسفة بأن الكون وجد صدفة
وهناك في البدء كانت نظرتان : نظرة من الحق نحو الخلق و نظرة من الخلق نحو الحق…حتى تعلم أيها العدم أنه على قدر حب الخالق لك تكون محبتك له يخلق فيك إستعدادا فتحبه على قدر إستعدادك وفي الحديث القدسي : ( لازال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل ) حتى يقوى إستعداده فيحصل على فضل ( حتى أحبه ) وتأمل قوله حتى أحبه لتعلم أن المحبة منه لك سابقة ( يحبهم ويحبونه ) ولم يقل حتى يُحبني لانه ليس لك من الأمر شيئ…فالمحبة الحاصلة بالنوافل محبة خاصة والمحبة التي أظهرت الخلق محبة عامة…فالمحبة العامة الأزلية حكمتها حصول معرفة الخالق (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) فالعبادة طريق و المعرفة وصول دقيق على بساط ( فأحببت أن أُعرف ) ومتى عرفته تكون حصلت على المحبة الخاصة التي تكشف عنك الستور فترفع عنك وهم وجودك لتعرف وجوده….فالسالك عندما يفني الجهات بحكم ( اللهم اجعل في قلبي نورا ، وفي لساني نورا ، واجعل في سمعي نورا ، واجعل في بصري نورا ، واجعل من خلفي نورا ، ومن أمامي نورا ، واجعل من فوقي نورا ، ومن تحتي نورا . اللهم أعطني نورا ) تظهر له الأسماء والصفات وذلك لا يعني أنها لم تكن ظاهرة قبل فنائه ولكنها كانت مستورة عنه بسلطان الوهم فهي موجودة وأنت و الكون في عدم
والعبد السالك يحصل على محبة الحق عندما يخامر قلبه توحيد الأسماء و الصفات وتتوارد عليه التجليات الأسمائية و الصفاتية… والأسماء تظهر له بتنزلها حسب لام العشق والمحبة فهو الواسطة بين الحق والأثر…أما إذا استولى عليك النظر بعين الجمع فلن تحصل إلا على الحيرة والطمس…لأن الذات إذا ظهرت بطنت الأسماء والصفات وتلاشت الأفعال والأحكام…وفي المنهج الكركري يُعطى للمريد سر الجمع حيث توحيد الذات أولا حتى يزول عنه الفرق الظلماني ثم يشرب من عين توحيد الأسماء والصفات في السر الثاني حتى يعود للفرق النوراني…والترقي في كمالات المحبة لا نهاية له
والعارف إذا كُشف له عن غطاء المحبة يرى كل حركة ناشئة عن سريان الحب فيها…ويتذوق ذلك عندما يقوى نور بصيرته حتى يتحد مع نور بصره فيصبح عندئذ لا يرى شيئا إلا ويرى فيه النور أو قبله فكأنه بذلك يرسل للموجودات رسالة حب وهي تبادله نفس المحبة لكونه رأى فيها النور المحمدي…والمصطفى صلى الله عليه وسلم كان يحب الجذع فأحبه الجذع لمحبته له عليه السلام السابقة فلقد كان هناك غيره من الجذوع لكنه خص ذاك الجذع بمزيد خصوصية
و الإنسان بحكم الإستخلاف أعطاه الحق القدرة على الصناعة فتجده يحبها لكنها لا تبادله مصنوعاته نفس المحبة فهذه خاصية إلهية…لذلك تجده لا ينسب إلى الحق إلا الأفعال الخارقة التي تجاوزت قانون عقله…أما الأفعال العادية التي تجري على يديه فينسبها لنفسه وينحجب بها عن ربه… والعارف يرى كل حركة وفعل خارقة للعادة فالحق يخلق وينسب إلى العبد
ولما كان سريان الحب قويا في العالم وقف الخلق مع أنفسهم و لم يعودوا بها إلى أصلها…فكانت نتيجة ذلك أن غلب عليه الوهم و أثبت لنفسه الوجود وهو غائب عن سر القيومية الساري في كل شيئ…وبعض الخلق إشتد الوهم عندهم فأثبتوا أنفسهم و نفوا الحق وهم أشد الناس حجابا.
و المريد إذا وجد شيخ التربية يزيل عنه هذا الوهم و يسقي ذاته بنور الفهم…وكلما بقي في المريد بقية إلا و إشتد عليه فهم الحقائق لذلك تجد كل من نكث العهد إلا وهو أكثر الناس إثباتا لنفسه ولوجوده و أكثرهم تشبثا بالوهم…والوهم لا يختص بإبن آدم فهو في غيره موجود وفي الجن أشد و أشد
والوهم إن حققته لم تجده شيئا هو كالسراب كما قال تعالى : ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ( 39 ) أو كظلمات في بحر لجي يغشاه موج من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق بعض إذا أخرج يده لم يكد يراها ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ) وروح الإشارة تُبدي أنه من تشبث بوهمه فهو كفر أي ستر حقيقته العدمية وما علم أن له الشهود وليس له الوجود…لذلك لو تحقق لوجد الله عنده لكن لما طغت ظلمات الأغيار على قلبه طُمست بصيرته و إنطفأ نوره ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور نسأل الله السلامة من السلب بعد العطاء…فالعارف ينبغي أن يقوي نور المحبوب في قلبه حتى يظهر على بصره فيكون كخط قدرة ينفي الأثر ويثبت الحق الثابت ويزول الوهم…ولن يتذوق كمال ذلك حتى يعرف كاف الإحسان وتظهر له لام العشق و تخلع عليه أسرارها على نعت المحبة الكاملة
بارك الله في الشيخ محمد فوزي و نفعنا الله بعلومه و معارفه واطال عمره في خير و عافية و لطف و جزاه الله خير الجزاء ….كلامه فيه نور و مدد …..سبحان الله