بسم الله الرحمان الرحيم
باب الإستغفار
قال الله تعالـــى:” و الذيـن إذا فعلوا فاحشــة أو ظلـموا أنفسهـم ذكروا الله فاستغفروا لذـنوبهم “. و قـال علقـمة و الأسود : قـال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في كتاب الله عز و جل آيتان ما أذنب عبد ذنبا فقرأهما و استغفر الله عز و جل إلا غفر الله تعالى له ” و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنسفهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم و من يغفر الذنوب إلا الله” الآية و قال عز و جل و من يعمل ســــــــوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غـفـورا رحـيمـــــــا “. و قال عـــز و جل :” فسبح بحمد ربك و استغفره إنه كان توابا”. و قال تعالى:”و المستغفرين بالأسحار”. و كــــان صلــى الله عليـه و سلم يكثر أن يقول :”سبحانك اللهم و بحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم “. و قال صلى الله عليه و سلم :” من أكثر من الآستغفار جعل الله عـز وجل له من كل هـم فرجــــا و من كل ضيق مخـرجا و رزقه من حيث لا يحتسب”. و قــال صلـى الله عليـه و سلم :”إني لأستغفر الله و أتوب إليه في اليوم سبعين مرة “. هذا مع أنـه صلى الله عليه و سلم غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر. و قال صلى الله عليه و سلم :”إنه ليغانـن على قلبـي حتى أنــي لأستغفـــر الله تعالــــى فــي كل يــوم مائــة مـــرة”. و قـــال صلــى اللـه عليـه و سلم من قال حيث يأوي إلى فراشه أستغفر الله العظيم الذي لا إلاه إلا هو الحي القيوم و أتوب إليه، ثلاث مرات غفر الله له ذنوبه و إن كانت مثل زبد البحر أو عدد رمل عالج، أو عدد ورق الشجر، أو عدد أيام الدنيا”. و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في حديث آخر :” من قال ذلك غفرت ذنوبه و إن كان فارا من الزحف “. و قال حذيفة كنت ذرب اللسان على أهلي فقلت يا رسول الله : لقد خشيت أن يدخلني لساني النار، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : فأين أنت من الإستغفار؟ فإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة “. و قالت عائشة رضوان الله عليها : ” قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ” إن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله و توبي إليه، فإن التوبة من الذنب الندم و الإستغفار “. و كان صلى الله عليه و سلم يقول في الإستغفار :” اللهم اغفر لي خطيئتي و جهلي و إسرارفي أمري و ما أنت أعلم به مني”. و في حديث آخر كان يقول :” اللهم اغفر لي هزلـــــــــي و جـدي و خطئــي و عمدي و كل ذلك عندي، اللهم اغفر لي مــا قدمت و ما أخرت و ما أسررت و ما أعلنت و ما أنت أعلم به مني، أنت المقدم و أنت المؤخر، و أنت على كل شيء قدير”. و قال سيدنا علي كرم الله وجهه: كنت رجلا إذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم حديثا نفعني الله عز و جل بما شاء أن ينفعني منه و إذا حدثني أحد من أصحابه استحلفته فإذا حلف صدقته، قال حدثني أبو بكر و صدق أبو بكر رضي الله عنه قــال سمعت رســول الله صلـى الله عليه و سلم: ” ما من عبد يذنب ذنبا ثم يقوم فيصلي ركعتين ثم يستغفر الله عز و جل إلا غفر له ثم تلى قوله عز و جل :” و الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنــوبهم و من يغفــر الذنوب إلا الله”. و روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال :” إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإن تاب و نزع و استغفر صقل قلبه منها فإن زاد زادت حتى تغلف قلبه، فذلك الران الذي ذكره الله عز و جل في كتابه ” كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون “. و روى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه و سلم قال : إن الله سبحانه ليرفع الدرجة للعبد في الجنة فيقول يا رب إن لي هذه، فيقول عز و جل :”استغفار ولدك لك”، و روت عائشة (ض) أنه صلى الله عليه و سلم قال :” اللهم اجعلنـي من الذيـن إذا أحسنـوا استبشــروا و إذا أساؤوا استغفروا ” . و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:” إذا أذنب العبد ذنبا فقال : اللهم اغفر لي فيقول الله عز و جل أذنب عبدي ذنبا فعلم أن له ربا يأخذ بالذنب و يغفر بالذنب , عبدي إعمل ما شئت فقد غفرت لك “. و قال صلى الله عليه و سلم:” ما أصر من استغفر و إن عاد في اليوم سبعين مرة “. و قال صلى الله عليه و سلم إن رجلا لم يعمل خيرا قط نظر إلى السماء فقال : إن لي ربا، يا رب فاغفر لي فقال الله عز و جل قد غفرت لك . و قال صلى الله عليه و سلم ” من أذنب ذنبا فعلم أن الله قد طلع عليه غفر له، و إن لم يستغفــــر “. و قال صلى الله عليه و سلم يقول الله تعالى يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيته فاستغفروني أغفر لكم. و من علم أني ذو قدرة على أن أغفر و لا أبالي. و قال صلى الله عليه و سلم: من قال سبحانك ظلمت نفسي و عملت سوءا فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت و لو كانت كمذب النمل . و روى أن أفضل الاستغفار : اللهم أنت ربي و أنا عبدك خلقتني و أنا على عهدك و وعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي و أبوء على نفسي بذنبي فقد ظلمت نفسي و اعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي ما قدمت منها و ما أخرت فإنه لا يغفر الذنوب جميعها إلا أنت. قال خالد بن معدان يقول الله عز و جل :” إن أحب عبادي إلي المتحابون بحبي و المتعلقة قلوبهم بالمساجد و المستغفرون بالأسحار أولئك الذين إذا أردت بأهل الأرض عقوبة ذكرتهم فتركتهم و صرفت العقوبة عنهم. و قال قتادة رحمه الله تعالى : القران يدلكم على دائكم و دوائكم ؛ أما داؤكم فالذنوب و أما دواؤكم فالاستغفار. وقال علي كرم الله وجهه : العجب ممن يهلك و معه النجاة , قيل و ماهي ؟ قال : الإستغفـــــار ؛ و كان يقول : ما ألهم الله سبحانه عبدا إلا استغفر , و هو يريد أن يعذبه . و قال الفضيل : قول العبد أستغفر الله تفسيرها أقلني . و قال بعض العلماء : العبد بين ذنب و نعمة لا يصلحها إلا الحمد و الإستغفار . و قال الربيع بن خيشم رحمه الله : لا يقولوهن أحدكم أستغفر الله و أتوب إليه فيكون ذنبا و كذبا إن لم يفعل, و لكن ليقل : اللهم اغفر لي و تب علي. و قال الفضيل رحمه الله تعالى : الإستغفار بلا إقلاع توبة الكذابين. و قالت رابعة العدوية رحمها الله: استغفارنا يحتاج إلى استغفار كثير. و قال بعض الحكماء: من قدم الإستغفار على الندم كان مستهزئا بالله عز و جل و هو لا يعلم. و سمع أعرابي و هو متعلق بأستار الكعبة يقول: اللهم إن استغفاري مع إصراري للؤم و إن تركي إستغفارك مع علمي بسعة عفوك لعجز فكم تتحبب إلي بالنعم مع غناك عني، و كم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك يا من إذا وعد وفى و إذا أوعد عفا أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين . قال أبو عبد الله الوراق: لو كـان عليك مثل عــدد القطـر و زبد البحر ذنوبا لمحيت عنك إذا دعوت ربك بهذا الدعاء مخلصا إن شاء الله تعالى: اللهم إني أستغفرك من كل ذنب تبت إليك منه ثم عدت فيه، و أستغفرك من كل ما وعدتك به من نفسي و لم أوف به، أستغفرك من كل عمل أردت به وجهك فخالطته غيرك، و أستغفرك من كل نعمة أنعمت بها علي فاستعنت بها على معصيتك و أستغفرك يـا عالــم الغيب و الشهادة من كل ذنب أتيته في ضياء النهار و سواد الليل في ملإ أو خلاء أو سر أو علانية يا حليم. و يقال: إنه استغفار آدم عليه السلام. و في صحيح الحاكم عن جابر”أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه و على آله و سلم و هو يقول وا ذنباه مرتين أو ثلاثا، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم: قل اللهم مغفرتك أوسع من ذنوبي، و رحمتك أرجى عندي من عملي فقالها، ثم قال له: عد فعاد، ثم قال له : عد فعاد، فقال له: قم قد غفر الله لك
و في هذا المعنى يقول بعضهم
يــا كثير الذنــــب عـفــو الله من ذنــــــــبك أكــبر
ذنبك أعظم الأشياء في جانب عــفو الله تغـفــــر
و قال آخر
يارب إن عظمت ذنوبي كثيرة فلقد علـــــــــمت بأن عفوك أعظم
إن كان لا يرجـــــوك إلا محسن فمن الذي يدعو و يرجو المجرم؟
مالي إليك وسيلة إلا الرجــــــا و جميل عفوك ثم إني مسلـــــــــــــم
البيت الثاني للمغفرة، الإستغفار و لو عظمت الذنوب و بلغت الكثرة عنان السماء و هو السحاب، و قيل ما انتهى البصر منها، وفي رواية أخرى (لو أخطأتم حتى بلغت خطاياكم ما بين السماء و الأرض ثم استغفرتم الله لغفر لكم) و الإستغفار طلب المغفرة، و المغفرة هي وقاية من شر الذنوب مع سترها، و قد كثر في القرأن ذكر الإستغفار فتارة يؤمر به كقوله تعالى:”و استغفروا الله إن الله غفور رحيم” سورة المزمل. و قوله :”و أن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه” و تارة يمدح أهله كقوله تعــــالى”و المستغفرين بالأسحـــار” آل عمــران. و كثيرا ما يقرن الإستغفار بالتوبة، فيكون الإستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، و التوبة عبارة من الإقلاع عن الذنوب بالقلــــــــــــوب و الجوارح
اللهم نبهنا من نوم الغفلة، و أيقظنا من طول هذه الرقدة و اهدنا و ارشدنا و أسمعنا يا هادي العمي، يا مسمع الصم يا ذا الفضل الجليل، يا لطيف يا جميل يا ذا العطاء الجزيل يا رب العالمين، و صلى الله عليه و على آله و سلم.
بقلم الفقير أحمد الهبري